أطلق مصطلح «العلونة السياسية» المفكر السوري صادق جلال العظم. وهو يشرح هذه الفكرة ويصفها حالياً على النحو التالي، أننا لو تصورنا تركيا مثلاً وقد أمسك بكل مفاصلها ووظائفها المهمة طيف سكاني واحد، بيده مفاتيح التحكم، والجيش ودوائر النفوس والتجنيد، ودوائر إصدار جوازات السفر وتأشيرات الخروج، ومديري المطارات، والمتحكمين الفعليين بالمشافي والقطاعات العسكرية والبنوك والصحة والتعليم. يقول لنتصور في تركيا أن كل هؤلاء أكراد متفاهمون مع بعضهم بعضاً، فيما يشبه «دولة داخل الدولة»! يقول إن هذا هو ما حصل لسوريا مع العلويين الذين التهموا الدولة وحدهم. أذكر في محاضرة لرياض الترك حين جاء إلى كندا، فتكلم في مونتريال عن نظام الحكم الذي بناه حافظ الأسد أنه يتصف بثلاث سمات: نظام صنع للبقاء وليس للتغيير أو الإصلاح فهو نظام غير قابل للإصلاح، وقد أثبتت ذلك الأحداث التي رأيناها في اتباع نفس المنهج. والثانية أنه يحارب إسرائيل علناً ويتعاون معها سراً. وقد شهدت لهذا تصريحات المخلوف حين قال إن أمن إسرائيل من أمن سوريا. وكذلك أمن الجبهة في الجولان أربعين عاماً يذكر بصمت المقابر. أما السمة الثالثة فقال إنه مع كل هذه المواصفات الإجرامية فهو نظام ضعيف، ولكن المعارضة أضعف، ولذا فما يحكم علاقة الحكم والمعارضة هو معادلة توازن الضعف. وقد شهد لهذا أيضاً تفتت المعارضة وتفككها. لسبب بسيط هو تصحر الفضاء السياسي في سوريا. فالنظام وضع البلد في ثلاجة من العمل السياسي، ونسف الدستور عملياً وقرأه كتابياً، فحكم البلد بنظام القسوة والرشوة. وأذكر في تلك المحاضرة حين طلب من الحضور التعليق أنني هممت بأن أتحدث في هذا الموضوع ولكن أدركت أن إطلاق مثل هذه المصطلحات يعني الخيانة العظمى! لذا وجب على رياض الترك يومها أن يقول، والنظام، رابعاً، يحارب الطائفية علناً وهو يبنيها سراً في عزة وشقاق. وأذكر من كتاب «غوستاف لوبون» عن سيكولوجية الجماهير أنها عمياء صماء بكماء. بل وينقل عن نابليون أنه قال لو أنه لو أراد حكم أي قوم لغازل مزاجهم الثقافي والديني، وحين دخل مصر زعم أنه اعتنق الإسلام، وحين تحركت قوى في غرب فرنسا ضده أظهر الورع والتقوى وأنه كاثوليكي ورع، ويقول إنه لو حكم روما للبس مسوح الكهان وأخذ بيده مسبحة الكرادلة! والحال أن النظام الشمولي الذي أقامه الأسد عمل على بناء غابة قاتلة تسرح فيها الضواري من دون أسلاك شائكة، كما حدث مع فيلم «جوراسيك بارك» حين انطلقت الأوابد من معاقلها تأكل الناس. ولكن نظام الأسد هو في طريقه حالياً للتفكك. وتدخل الروس مؤشر سلبي يؤكد تردي صحة هذا النظام العتي على التغيير والإصلاح، وكما جاء في سؤال لإحدى الجرائد: كيف نفهم التدخل الروسي، فهو بداية النهاية لنظام شبيه بنظام «بابرك كارمل» الشيوعي الأفغاني ولكن هذه المرة في سوريا؟ وستتحول سوريا إلى أفغانستان جديدة وينتهي القيصر بوتين كما انتهى قبله برجينيف ومعه الاتحاد السوفييتي. إن ما يجري الآن في الشرق الأوسط يذكر بالأوبئة حين تنتشر وتحتاج إلى لقاحات سريعة، ولكن أين المصحات وأين الأطباء؟ نظام الأسد الآخذ في التفكك الآن كان عنده الاستعداد ومن بعده من نظامه الجهنمي أن يلبسوا أي لباس، وحين شعروا أن المغفلين من العلويين يمكن دفعهم في هذه المحرقة فلمَ لا، والمغفلون من كل أمة ونحلة أكثر من دبابير الغابة والنمل الأبيض والأحمر. وإذا كان بعض الفقهاء والزعماء في غيهم يسبحون فما بال الغوغاء والرعاع؟