مثـّل الاتفاق النووي الذي وُقِّع بين الدول الكبرى (5+1)، وإيران، في الرابع عشر من يوليو 2015، نقطة تحوّل في العلاقات بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية من جهة، وإيران من جهةٍ أخرى. فقد أضفى الاتفاق، أولاً، شرعيةً كاملة على النظام السياسي الإيراني، لأن إيران لم تعد، كما كان يسميها الرئيس السابق جورج بوش الابن، بالدولة المارقة، بل أصبحت دولة إقليمية مقبولة من المجتمع الدولي، ولكن بشروط واحترازات معيّنة. ثمّ إنه أعطى شرعيةً لبرنامجٍ نووي ذي طابعٍ عسكري، وحاول تجريده من بُعده العسكري. وقبل أن نتحدث عن بنود هذا الاتفاق «المعلنة» منها، وتداعياته، ينبغي علينا أولاً أن ندرك أنّ الساسة الغربيين كانوا لفترةٍ طويلة يحاولون ترويض النظام السياسي «الثوري» في رؤيتهم، وإعادته إلى حظيرة الدول المتحضرة، وذلك عن طريق تشجيع الفئات الاجتماعية وطبقة التجار «رجال البازار» وأبنائهم المتعلمين، الذين يمثّلون طبقة متوسطة تعاني من الحرمان الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وأن يلعبوا دوراً أكبر في سياسة الدولة الإيرانية الحديثة، على حساب الطبقات والجماعات الدينية، وتلك المتحالفة معها من طبقة العسكر، ومن أتباع «الحرس الثوري» وغيرهم من المجموعات شبه المليشياوية أو المتعسكرة، التي تلعب دوراً مهماً في السياستين الخارجية والداخلية. ما وراء التحمّس الأميركي! كما أنّ ساسة الولايات المتحدة وقيادتها السياسية ممثلين في الرئيس أوباما، ومجموعات المستشارين المحيطين به في وزارة الخارجية، وفي البيت الأبيض، قد استشعروا عمق حنق الشعب الأميركي من السياسات العسكرية التي اعتمدها رئيسه السابق، بوش الابن، سواءً في العراق أو في أفغانستان، وقد أثقلت كاهل دافع الضرائب الأميركي، وأنهكت الاقتصاد الأميركي بما يصل إلى 4- 6 تريليونات دولار (إذا ما احتسبت كذلك التكاليف غير المباشرة للحرب). وهذا يعني أنّ هذه الحروب التي استمرت أكثر من عقد كامل من الزمن لم تكن تمثّل عبئاً اقتصادياً وسياسياً على الولايات المتحدة فقط، ولكنها مثّلت كذلك عبئاً بل أعباء عسكرية واستراتيجية، وأضعفت الولايات المتحدة، بحيث خرجت القوات الأميركية من كِلا البلدين، العراق وأفغانستان، دونما تحقيق انتصارٍ كاملٍ للولايات المتحدة فيهما. وهذا بالضبط ما يفسّر تردّد الإدارة الأميركية الحالية ومن خلفها الدول الأوروبية في التدخّل في الحرب في سوريا، خشية التورّط في حربٍ جديدة أخرى وإنتاج دولة فاشلة كما تأدى إليه الحال في ليبيا والعراق، دونما التوصّل إلى تشكيل حكومة أو منظومة ديمقراطية جديدة في أيٍّ من البلدين. ولذا، كان اللجوء إلى الضغوط الاقتصادية والعقوبات الدولية ضد إيران أفضل بكثير من الركون إلى العمل العسكري، وأقل ثمناً لتحقيق نفس النتائج. ولذلك، فإنّ حماس «الديمقراطيين» الأميركيين (مقابل الجمهوريين) لتطبيق الاتفاق النووي بعد مفاوضات مضنية وماراثونية بين الجانبين الأميركي والإيراني، يرينا أنّ «الديمقراطيين»، والرئيس أوباما على وجه الخصوص، يريدون تحقيق نصرٍ سياسي للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط دون اللجوء إلى شن حرب، أو أعمالٍ عسكرية ضد إيران. بنود الاتفاق «المعلنة» لاشكّ أنّ الاتفاق النووي الإيراني- الدولي، لم تُنشر تفاصيله بالكامل، وما وصل إلينا عبارة عن تصريحات من الرئيس الأميركي نفسه، أو من البيت الأبيض والصحف الأميركية. كما وصلت إلينا جملة أيضاً من التفاصيل عبر القرار الأممي لمجلس الأمن ذي الرقم 2231، الذي يقع في 114 صفحة، ويتضمّن بنوداً وملاحق تعكس نقاطاً عديدة احتوى عليها الاتفاق. ولم يتم الاطلاع على اتفاق مصاحب بين الهيئة الدولية للطاقة النووية وبين إيران، يتضمّن كذلك بنوداً تفصيلية وتقنية خاصة بآليات المراقبة والتحقق والتفتيش، وتُعدّ جزءاً أساسياً من الاتفاق النووي. ويقال: إنّ هناك بنوداً سريّة أخرى تضمّنها الاتفاق، ولكن لم يتسنّ بالطبع لكاتب المقال الاطّلاع عليها. وينصّ الاتفاق في بنوده المعلنة (حسب نص القرار الأممي 2231)، على التعاون مع إيران (ضمن نطاق الهيئة الدولية للطاقة الذرية، ولجنة مراقبة التطبيق الشامل للأمم المتحدة)، في مجال الطاقة النووية. خطوط الاتفاق الحمراء كما ينصّ على إلغاء سبعة قرارات لمجلس الأمن بحق إيران. ويحقّ للجنة المذكورة إشعار الدول الأعضاء بالمجلس بأيّ خروقات يقوم بها الجانب الإيراني. كما ينصّ على تقليص حجم أجهزة الطرد المركزي إلى 5060 جهاز طرد مركزي. وأن تُنهي خلال عشر سنوات استخدامها لمكائن الطرد المركزي المتطورة (IR.1). وألا يكون مستوى التخصيب فوق 3,67%، وذلك في محطة «نطنز». أما محطة «فوردو»، فتتحول للأبحاث العلمية، ولا يُسمح بالتخصيب فيها. ويُسمح لإيران بالاحتفاظ بـ300 كلغ من اليورانيوم قليل التخصيب، أما اليورانيوم بنسبة (5-20% من التخصيب)، فيُحوَّل إلى أكسيد اليورانيوم، أو يُنقل إلى بلدٍ ثالث. كما يتضمّن الاتفاق إعادة تصميم مفاعل «آراك»، والتوقف عن إنشاء أي مفاعل بالماء الثقيل لخمس عشرة سنة قادمة. ويُعطي الاتفاق لهيئة الطاقة الذرية الدولية صلاحيات واسعة لمراقبة المحطات الإيرانية، والحق في زيارات شبه مفاجئة لبعض المواقع العسكرية. وفي المقابل، يُرفع الحظر عن الأموال الإيرانية المجمّدة في الخارج بشكلٍ تدريجي، ويُسمح للشركات والأفراد بالتعامل مع إيران والتجارة معها. ونصّ الاتفاق على ضرورة اجتماع وزراء خارجية الدول الغربية مع إيران كل عامين لمراجعة مدى التزام طهران ببنوده، وفي حال مخالفتها لأي بند من هذه البنود، فإنه يحق للهيئة المشتركة أن تعيد بعض أو كل العقوبات عليها. كما نصّ الاتفاق أيضاً على حظر تصدير السلاح لإيران، خاصةً في مجال الصواريخ لمدة ثماني سنوات. الرؤى المختلفة للاتفاق يُدافع بعض السياسيين «الديمقراطيين» في الولايات المتحدة عن الاتفاق النووي مع طهران، مؤكدين أنه اتفاق لمنع تسلّح إيران بالسلاح النووي، وأنها كانت على وشك أن تحصل على كمية ضخمة تصل إلى ألفي كيلوجرام من اليورانيوم المخصّب، الذي قد يكفي لصنع قنبلة نووية خلال أشهر قليلة. وأن الاتفاق، إذا ما التزمت إيران ببنوده، فإنه يعني أنّها قد أخّرت قدرتها على امتلاك قنبلة نووية بعد عشر سنوات، بنحو ستة أشهر. غير أن الاتفاق كذلك قد أضفى صبغةً شرعية على البرنامج النووي الإيراني، كما أنه أضعَفَ من معاهدة الحدّ من التسلّح النووي الموقعة من قِبل إيران عام 1994. وفتح الباب أمام دول أخرى في المنطقة لتحذو حذو إيران في الدخول إلى النادي النووي، عبر برامج نووية سلمية تسمح لها بتملّك التقنية النووية. وفي هذا كلّه إضعاف لمعاهدة الحدّ من التسلّح النووي وجعل القانون الدولي مطيّة للاتفاقات السياسية، وليس لنصّ القانون وبنوده التي تمنع على الدول الأعضاء تصنيع اليورانيوم المخصّب إلا بكميات قليلة، ولأغراض سلمية بحتة. وفوق هذا أنّ الاتفاق وضع إيران تحت وصاية دولية لعشر إلى خمس عشرة سنة قادمة، تحرّياً لوصول زعامة سياسية أكثر انفتاحاً وأقلّ تطرفاً من القيادة السياسية الحالية للبلاد. وحظر عليها الحصول على أسلحة متطورة أو قذائف صاروخية لثماني سنوات قادمة. وقد قبلت الحكومة الإيرانية بهذه الشروط لوقف المأزق الاقتصادي الذي لحق بها، والذي قاد إلى نسب عالية من البطالة ومن التململ سواءً بين العمال أو المدرّسين، أو بين أفراد الأقليات غير الفارسية، التي كانت تعاني أصلاً من الحرمان الاقتصادي والعنصرية السياسية، وزادت تداعيات هاتين المشكلتين بسبب ظروف العقوبات الاقتصادية. بعد العصا.. الجزرة! أما الجزرة التي قُدِّمت لإيران فتمثّلت في حصولها على أموال مجمّدة بلغت زهاء مئة مليار دولار، والسماح لها بتسويق 30 مليون برميل من النفط مخزّنة في البر والبحر. كما أنّ رفع العقوبات سمح للشركات الأميركية والأوروبية بالعودة إلى السوق الإيرانية والاستفادة من إمكانات إيران في صناعة السيارات وفي تحديث بنية الصناعة النفطية التحتية، وكذلك في تحديث آبار الغاز وموانئه التصديرية، وكلها تحتاج إلى مليارات من الاستثمارات الأجنبية. وتحاول الدول الغربية تشجيع الشركات الإيرانية على الانخراط في اتفاقات تجارية مع نظيراتها الأميركية والأوروبية بأمل ربط الاقتصاد الإيراني بالاقتصادات الغربية، غير أنّ ذلك قد لا يرحّب به من قِبل بعض المجموعات النافذة في البلاد، وخاصةً «الحرس الثوري» الذي يسيطر على نحو 40% من الصناعات الأساسية في البلاد، كما يسيطر على جزء من تجارتها الإقليمية. وقد استفاد الحرس من الحظر الدولي، بأن انغمس في تهريب السلع والبضائع الاستهلاكية عبر موانئ صغيرة لا تخضع لإدارة الجمارك الإيرانية. ولا يعني هذا أن «الحرس الثوري» لن يستفيد من هذا الانفتاح الاقتصادي، ولكن ربما يختار شركاؤه التجاريين الخارجيين بدقة، كما القطاعات الاقتصادية التي ينبغي عليه جذب الاستثمارات إليها. وسيكون في أوائل هذه الاستثمارات في مجال النفط، حيث تعاني معظم حقول النفط الإيرانية من قِدم معدّاتها، وتحتاج إلى معدات وآلات جديدة في الحفر. أما قطاع الغاز فربما لا يستفيد بشكلٍ سريع من هذا الانفتاح، لأنّ الموانئ وأجهزة التسييل وغيرها تحتاج إلى استثمارات ضخمة وعائدات بعيدة المدى، بعكس القطاع النفطي الذي سيكون أول المستفيدين من رفع الحظر. وتشير تصريحات مرشد الثورة، علي خامنئي، إلى تخوّف الزعامة الدينية والسياسية الإيرانية من انفتاح سريع على القيم الغربية في الاستهلاك والفردانية، وغيرها من القيم التي قد تؤدي إلى تآكل ولاء الطبقات الشابة والمدينية للزعامات الروحية التقليدية في البلاد، وبالتالي قد تنافس هيمنتها وسلطتها السياسية مثلما فعلت في عام 2009، في الثورة الخضراء. حقيقة الاتفاق.. رؤية أخرى أما منتقدو الاتفاق، فقد نظروا إليه من زاوية أنّ الدول الغربية، وخاصةً الولايات المتحدة، قد قبلت ببرنامج إيران النووي، وبصفقة أقل مما عرضته طهران في الماضي في عهد بوش. وأنّ الاتفاق لا يلغي البرنامج النووي الإيراني وإنما يجمّد فقط أجزاء منه، ويسمح بقيام دورة نووية كاملة فيه. وإن قبلت إيران حالياً بالتجميد الجزئي، فإنه يمكنها أن تتهرب من التزاماتها القانونية في المستقبل، وأن يكون هناك تآكل في رغبة الدول الغربية في إبقائها مستقبلاً تحت الوصاية الدولية في هذا المجال، وخاصةً إذا ما توسّعت التبادلات التجارية بينها وبين إيران، وأصبح هناك «لوبي» تجاري أميركي وأوروبي يقف ضد أيّ عقوبات مستقبلية محتملة جراء خرق هذا الاتفاق. مخاوف.. وشكوك والاتفاق لا يجمّد سعي إيران نحو تطوّر منظومة صواريخ باليستية وبحْرية موجهة نحو دول الجوار. كما أنّ حصول إيران على أموال ضخمة سيزيد من حماسها لتزويد «حزب الله» والحوثيين وغيرهم بالأسلحة والعتاد مما يساهم في عدم استقرار المنطقة العربية، وحتى زعزعة استقرار تركيا وباكستان. كما أنّ النزعة الشوفينية لإيران واستخدامها للبُعد الطائفي كورقة رابحة لتفكيك المجتمعات العربية، وبعض المجتمعات الإقليمية الأخرى، من شأنها أن تزيد في تأجيج الصراعات والحروب الأهلية في المنطقة. وكل هذا لا يساعد على الاستقرار. غير أنّ إيران نفسها يمكن أن تعاني أيضاً من رغبة شعوبها وأقلياتها العربية والبلوشية والكردية وغيرها في الحصول على ميزات توازي ما تحصل عليه الأغلبية الفارسية في البلاد. فمثلما لدى دول المنطقة إشكالية مع بعض الأقليات، فإن إيران نفسها لديها نفس الإشكالية، غير أنها استطاعت أن تحكم هذه الأقليات بالقوة المفرطة، وأن تمارس بعضاً من أشكال التطهير العرقي، خاصةً في إقليم عربستان، الغني بالنفط، حيث حاولت توطين جماعات «اللور»، التي تسكن في الجبال الغربية من إيران في الأراضي الزراعية الخصبة في الأحواز، وكذلك أن تشجّع هجرة العمال الفرس إلى مدن العرب الغنية بالنفط والمطلّة على شطّ العرب وعلى الخليج العربي. الخليج العربي وانعكاسات «الاتفاق» تنظر الدول الغربية إلى إيران على أنها دولة إقليمية تحاول أن تلعب دوراً أكبر في السياسات الإقليمية، وفي تحدٍّ لنفوذ الدول الكبرى في المنطقة، ويأتي البرنامج النووي الإيراني كأداة لمثل هذا التحدّي. أما دول الخليج العربي فتنظر إلى إيران بوصفها دولة مهيمنة على بلدان عربية عدّة، وتحتلّ بشكلٍ مباشر، أو غير مباشر، عواصم أربع دول عربية. كما أنّ طموحها هو أن تتحوّل من دولة تمثّل جزءاً، أو أقليّة داخل البيت الإسلامي، إلى أغلبية داخله، مستخدمةً أدوات طائفية لتفكيك الأمة الإسلامية الواحدة. وهي تحلم بأن تحكم أو أن تسيطر يوماً ما على الأراضي المقدّسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة! ويفسِّر ذلك سعيها العسكري الحثيث لمحاصرة المملكة العربية السعودية من جميع الجهات. كما أنّ وجود روسيا كدولة قوية إلى الشمال منها يحدّ من توسّعها في بلدان آسيا الوسطى إلا عبر التجارة والدعوات الدينية. بينما تحاول التوسّع جنوباً وغرباً في مناطق تأثّرت إما بالغزو الأميركي كالعراق، أو بالثورات والانتفاضات العربية كسوريا واليمن، وبعض بلدان شمال أفريقيا. طهران وتهديد الاستقرار وتبني دول الخليج العربي سياساتها على أساس أنّ النمو الاقتصادي هو الركيزة الأساسية لتطور شعوبها وشعوب المنطقة، أما القيادة الإيرانية الحالية فهي تسعى إلى الاستفادة من مآسي الشعوب بزيادة حدّة الصراعات فيها، وليس الصراعات السياسية فحسب، ولكن الصراعات ذات الطابع الاجتماعي الرأسي، وهو ما يفكك المجتمعات العربية على أسس طائفية، ويسمح لإيران بأن يكون لها تواجد وتعاطف مع بعض الفئات الخارجة على مجتمعاتها، من متطرفين وإرهابيين. وتأتي في هذا السياق الحملات الإعلامية الشعواء والدعاوى التي تطلقها طهران منذ نجاح الثورة فيها، بأنها تدافع عن القضية الفلسطينية. وعلى رغم نجاح مثل هذه الحملات في الماضي، إلا أنّ الأحداث السورية والعراقية أثبتت أنّ القيادة الإيرانية مستعدّة لإرسال جنودها للقتال من أجل نظام طائفي مستبد في سوريا وتعظيم الحرب الأهلية والطائفية المقيتة في العراق. غير أنها لم ترسل جنديّاً واحداً لنصرة الفلسطينيين في غزة أو محاربة إسرائيل. بينما تحرّض حلفاءها في لبنان وأفغانستان وغيرهما لإرسال أبنائهم للقتال ضد إرادة الشعب السوري الحر. كما أنّ زرعها للخلايا النائمة وتسليح هذه الخلايا في بعض دول الخليج العربية وتشجيعها للحركات الإرهابية، سُنيّة كانت أم شيعية، يرينا بكل وضوح أنّ القيادة الإيرانية الحالية لا ترغب في أن تعيش في إقليم مستقرّ ومتسامح، بل تفضّل أن تستمر النزاعات الإقليمية والأهلية في المنطقة العربية، حتى ولو قاد ذلك إلى تفكك بعض الدول العربية وتحوّلها إلى دول فاشلة، وهو ما قد يعزز من نفوذها فيها. تحدي السلاح التقليدي وتمثّل الأسلحة التقليدية الإيرانية بدورها خطراً على دول الخليج العربية، سواءً الصاروخية منها، أو البحرية، حيث تمتلك إيران أكثر من 400 قطعة بحرية، وعدداً من الغواصات التي قد تهدد الملاحة في منطقة الخليج العربي. وبينما تتمتّع دول الخليج العربية بتفوق نوعي وكمّي في السلاح الجوي، فإنّ القوات البرية الإيرانية تزيد عدداً وعتاداً عن تعداد الجنود في دول الخليج العربية. وسيمثّل رفع الحظر الاقتصادي المفروض على إيران فرصة لمزاحمة إيران لدول الخليج العربية في حصص إنتاج النفط في منظمة «أوبك»، في وقتٍ تتراجع فيه أسعار النفط في المدى القصير. كما أنّ قدرة إيران على شراء أسلحة جديدة ودعم «الحرس الثوري» فيها واستمرار البرنامج النووي الإيراني، وإن بوتيرةٍ أقلّ، ستجبر دول الخليج العربية في المدى القصير على زيادة إنفاقها الدفاعي والحصول على أسلحة ومضادات للصواريخ الإيرانية الموجهة ضد دول الخليج ومنشآتها النفطية والصناعية. فسحة عشر سنوات ومن ناحيةٍ إيجابية، فإنّ لدى دول الخليج فسحة من الزمن تصل إلى عشر سنوات، وهي فترة تجميد البرنامج النووي الإيراني، لبناء صناعة نووية سلمية في منطقة الخليج العربي، تعطي أبناء هذه الدول التقنية المتقدمة والكافية في هذا المجال لتحقيق شكل من أشكال الردع النووي ضد إيران. ولا يعني هذا بالضرورة أن تتوسّع دول الخليج في بناء المحطات النووية، أولاً لتكلفتها العالية، وثانياً لأضرارها البيئية المحتملة، ولكن كي تكون لها القدرة على الدخول إلى عصر النواة والاستفادة من التقنيات والصناعات ذات القيمة الاقتصادية والعلمية العالية المتأتّية من المراحل المتعددة في الصناعة النووية، سواءً في مجال النظائر الطبية، أو غيرها، وخاصةً أنّ بعض دول الخليج العربي لديها خامات كافية من عنصر اليورانيوم، وتستطيع الحصول على كميات إضافية منه، سواءً المخصب منها من الدول الكبرى، أو غير المخصب من بعض دون العالم الثالث. ولاشكّ أن التحدي الأعظم الذي يمثّله التحدي الإيراني للدول العربية سيحتم على هذه الدول أن تعيد رصّ صفوفها، وأن تحاول أن تكون الصناعات الأساسية والتحويلية فيها قابلة للتبادل التجاري الحرّ فيما بينها، بحيث يمكن تشكيل سوق عربية كبرى، تكون أساسها السوق الخليجية الموحدة. ويذكر آباء التكامل الاقتصادي والسياسي بين الدول، أنّ مثل هذا التكامل والتمازج بين دول الخليج وبقية الدول العربية سيخلق تكتلاً اقتصادياً وسياسياً يحقق النماء والرخاء لأبناء الشعوب العربية، ويجعل أبناء الدول والمناطق المجاورة مثل إيران وتركيا، يرون أنّ من مصلحتهم بناء علاقات تجارية وسياسية واقتصادية مميزة مع دول الخليج العربية.