مشكلة الذهنية العربية كونها عاطفية، وبالتالي يصعب عليها التحليل العقلاني، كما أنها مسكونة بنظرية المؤامرة، وبالانحياز الأعمى للذات. لقد ظهرت عدة عناوين في الصحف العربية تتهم الدول الأوروبية بالتقاعس عن استقبال اللاجئين السوريين، وتؤكد أن لدى تلك الدول عقدة «الشعور بالذنب» لقاء تعاملها مع اليهود. ويغض بعض الكتبة الطرف عن مشاهد الحفاوة والتقدير التي قوبل بها اللاجئون السوريون في أغلب البلدان الأوروبية، مما لم يحدث له نظير في بلاد «الأقربين». لقد تضامنت العديد من الفعاليات السياسية والثقافية الأوروبية مع محنة اللاجئين السوريين، كما أُنشئت جمعية باسم «أهلاً باللاجئين» في ألمانيا التي استقبلت نحو 450 ألف لاجئ منذ بداية 2015، ويتوقع أن يرتفع العدد إلى 800 ألف مع نهاية العام. لقد هبّت منظمات المجتمع المدني لتنظيم حملات الترحيب والإيواء لللاجئين السوريين، ومن أجل تهيئة الرأي العام لقبولهم. كما سجلت الأرقام أن مواطناً من كل 5 مواطنين ألمان قام بتقديم مساعدة لهؤلاء اللاجئين. وقد خصصت ألمانيا 6 مليارات يورو لعمليات الإيواء. وستقوم تقوم المفوضية الأوروبية بتوزيع 180 ألف لاجئ سوري على دول الاتحاد الأوروبي، حيث ستستقبل ألمانيا وحدها ربعهم، وإن كان وزير داخليتها قد أعلن في مارس الماضي أن أغلب طلبات اللجوء التي سيوافق عليها ستكون لأهل الديانة المسيحية، مبرراً ذلك بوجود ضغوط تُمارس على هؤلاء، في إشارة لاستهدافهم من قبل الجماعات الإرهابية، خصوصاً في مدينة حلب التي كان يبلغ عدد مسيحييها 160 ألف شخص، قبل نشوب الحرب. وكانت المفوضية الدولية الخاصة للاجئين قد أعلنت عن توزع اللاجئين السوريين على النحو التالي: لبنان (1.2 مليون)، الأردن (630 ألفًا)، العراق (25 ألفاً)، مصر (133 ألفاً)، شمال أفريقيا (24 ألفاً). وبلغ عدد طلبات اللجوء السورية التي قبلتها الدول الأوروبية عبر الطرق الرسمية، وحتى الثالث من سبتمبر الجاري: ألمانيا (555ر47 طلباً)، السويد (025ر32 طلباً)، فرنسا (640ر20 طلباً)، إيطاليا (630ر20 طلباً)، سويسرا (575ر15 طلباً)، بريطانيا (065ر14 طلباً). ويعيش 86% من اللاجئين السوريين خارج المخيمات، وبمعدل صرف لا يتجاوز 2ر3 دولار يومياً. كما يعيش 55% من اللاجئين في مساكن غير لائقة في لبنان. إنها حقاً مأساة إنسانية كبرى، تتوالد منها عدة مآسٍ، مثل زواج القاصرات في المخيمات، ودخول الأطفال سوق العمل بدلاً من انتظامهم في الدراسة، علاوة على ظاهرة التسول واستغلال الأطفال. في ظل هذا التدفق للاجئين السوريين، والتعاطف الأوروبي معهم، يتعين عليهم الالتزام بشروط اللجوء وقوانين البلدان المضيفة. فقد تورطت بعض البلدان الأوروبية في إيواء وتجنيس بعض العرب، لكن هؤلاء ظهرت منهم تصرفات وممارسات مخالفة لشروط الإقامة، مما أثار سخطاً لدى الرأي العام في تلك البلدان. إن اللاجئ يحتاج إلى إعادة تأهيل أولاً قبل أن يبدأ العمل أو يمارس حياته الطبيعية في مجتمع الهجرة، وهو مجتمع يختلف عن مجتمع بلده الأم، قيماً وثقافةً ومفاهيمَ حياة.. لأنه قد مرَّ بظروف صعبة تجعله غير قادر على التفريق بين ما هو سلبي وما هو إيجابي. وأغلب اللاجئين لايعرفون ثقافة المجتمع الأوروبي، خصوصاً محدودي التعليم والثقافة، مما يؤدي إلى انجرار البعض نحو تصرفات سلبية وممارسات شاذة. كما يجب أن تتحرك الجمعيات العربية والإسلامية في تلك البلدان الأوروبية للمساهمة في إعداد وتأهيل اللاجئين الجدد وتعريفهم بأهمية بث الروح الصافية والصادقة للعربي والمسلم الأصيل، وعدم التصادم الفكري، أو التمسك بعصبية زائفة، وتعريف اللاجئ بالقوانين وقيم المجتمع الجديد، حتى لايتعرض للمساءلة أو المتابعة القانونية لدى المحاكم. -------------- *أكاديمي وإعلامي قطري