اكتسبت قضية اللاجئين أبعاد جديدة بعد نشر الصورة المؤلمة للطفل السوري «أيلان» ملقاة على الشاطئ التركي، فبالإضافة إلى الجوانب الإنسانية، فإن هناك جوانب أخرى لا تقل أهمية، فبلدان الأزمات العربية التي أطلق عليها تهكماً «الربيع العربي» دمرت اقتصاداتها بالكامل تقريباً وفقد السكان الخدمات الأساسية التي كانت متوفرة لهم في العراق وسوريا وليبيا واليمن وتحولت بلدانهم إلى جحيم لا يطاق. كيف يمكنك العيش في بلد لا يوفر لك التعليم والخدمات الصحية والكهرباء والمياه النظيفة، وقبل ذلك الأمن والاستقرار؟ بل امتدت يد التخريب إلى مكوناتك الثقافية من آثار وتراث عريق ومؤسسات علمية وجامعات ومتاحف تحولت إلى أطلال وخرائب بعد أن كانت مراكز لتخريج الكفاءات ومواقع سياحية تدر الكثير من الخير على هذه الدول. ماذا تبقى بعد ذلك؟ ما تبقى هو الإنسان، الموارد البشرية من كفاءات مؤهلة ومتعلمة في مختلف جامعات العالم ومهنيين مبدعين يعيشون في مخيمات توفر الحد الأدنى من متطلبات الحياة، ما العمل إذن؟ وكيف التصرف تجاه هذه الموارد البشرية؟ الحكمة تقول استقطابها والاستفادة منها وإعادة تأهيل بعضها وفرز الموهوبين من أبنائها، فهؤلاء ثروة لا تقدر بثمن، خصوصاً أن أوروبا الغربية تعاني نقصاً في أعداد المؤهلين والكفاءات بسبب تدني الخصوبة بين سكانها، والذي يترافق مع النمو الاقتصادي المرتقب، هذا الفهم الصحيح لمحت إليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وهذا ما لم يفهمه زعماء أوروبا الشرقية الخارجون من عباءة النظام الاشتراكي السابق ليتحولوا إلى مسيحيين متزمتين يديرون اقتصاداً يعتمد على الله وعلى مساعدات أوروبا الغربية، علماً أن شعوبهم الأكثر هجرة للغرب، مما يعكس أنانية مقيتة. مثل هؤلاء الزعماء لم يتشربوا بعد مفاهيم الاقتصاد الرأسمالي الذي ينظر إلى المصالح قبل أي شيء آخر، ما زالت عقليتهم تدور حول الأيديولوجيا والتي تغيرت من ماركسية إلى دينية، مما يعد أمراً مضحكاً ومأساوياً، في حين سيتحول اللاجئون بعد عقدين من الزمن إلى مواطنين أوروبيين يساهمون في التطور والتنمية، ويضيفون الكثير لوطنهم الجديد، وهنا يمكن التذكير أن «ستيف جوبز» أحد مؤسسي شركة «أبل» الذي غير وجه العالم بعبقريته، وهو ابن مهاجر سوري إلى الولايات المتحدة، أما من يشذ منهم عن ذلك بالتطرف الديني، وهذا أمر وارد فسيتم التعامل معه بالأسلوب المناسب، في حين أن الأغلبية الساحقة سوف تضيف الكثير لمجتمعها الجديد، مثلما أشار رئيس مجلس رجال الأعمال الفرنسي عندما نوه إلى مستوى التعليم الجيد الذي يتمتع به الكثير من اللاجئين. الغريب أن أزمة اللاجئين استغلت من قبل أكثر من طرف لمهاجمة دول مجلس التعاون الخليجي في تشويه للحقائق جاء جزءاً منه من «إمبراطورية الشر الإيرانية»، مدعين أن دول المجلس لم تستقبل أحداً من اللاجئين السوريين! معتقدين أنهم من الممكن أن يخدعوا الناس بهذه السذاجة. أما الحقائق فإنها تشير إلى أن دول المجلس استقبلت ما يقارب الثلاثة ملايين سوري، منهم أكثر من مليونين في المملكة العربية السعودية، وبالباقي توزع بين بقية دول المجلس، وبالأخص دولة الإمارات التي يعمل بها ربع مليون سوري، في حين لم تخبرنا إيران التي شغلت بخبث آلة دعايتها الرخيصة، كم استقبلت من اللاجئين السوريين، علماً بأنها لم تستقبل أحداً، فقط أغرقتهم بالسلاح ليقتلوا بعضهم بعضاً. وبالإضافة إلى الاستقبال، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تقوم بتمويل الكثير من متطلبات الحياة في مخيمات اللاجئين السوريين والعراقيين واليمنيين في الأردن ولبنان وتركيا واليمن وكردستان، حيث قدم رئيس كردستان العراق مسعود برزاني الأسبوع الماضي الشكر لدولة الإمارات على مساعداتها القيمة. اسمحوا لنا أيها السادة نحن نعمل بصمت وهدوء بعيداً عن المزايدات والتهويل الإعلامي، فهؤلاء أشقائنا، ولا تسمح قيمنا وأخلاقنا المتاجرة بآلامهم ودمائهم مثلما تفعل «إمبراطورية الشر»، التي يملأ قلوب قادتها محاولة الانتقام الأعمى والحقد على كل ما هو عربي، بغض النظر عن طائفته أو انتمائه الديني.