رغم الممارسات والمواقف التي انتهجتها بعض الدول الأوروبية نحو اللاجئين السوريين، خاصة الحكومة اليمينية في المجر التي أقامت جداراً من الإسلاك الشائكة يذكرنا بتلك الجدران التي أقامها النازيون ذات يوم حول معسكرات الاعتقال خلال الحرب العالمية الثانية.. ورغم تهديدات بعض وزراء الداخلية الأوروبيين، وفي مقدمتهم وزير داخلية المجر الذي أعلن قبيل انعقاد مؤتمر وزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي أنه حصل على تفويض من بلاده برفض الاقتراح الذي قدمته المستشارة الألمانية والداعي لوضع خطة جماعية أوروبية تحدد حصصاً من اللاجئين لكل دولة عضو، مما يعني عملياً إفشال المقترح الألماني، إذ يتطلب قرار كهذا، وبمقتضى دستور الاتحاد الأوروبي، قبوله بإجماع الأعضاء.. رغم الممارسات التي لا تليق بالبشر على أيدي بعض السلطات الأوروبية حيال اللاجئين، ومن ذلك مثلا أنهم «يرمون بصناديق الطعام للاجئين السوريين بصورة لا يفعلونها مع حيواناتهم» كما قال مسؤول أممي.. ورغم الأصوات النشاز التي ارتفعت في وارسو وغيرها، حاملةً نبرةَ الكراهية والعداوة العنصرية ضد العرب.. ورغم تباطؤ وتأخر إدارة الرئيس الأميركي أوباما، وتقصيرها نحو أزمة اللاجئين السوريين.. ورغم موقف حكومة المحافظين الكندية وما صدر عن رئيسها هاربر ووزيره للهجرة والجنسية من كلمات غير لائقة بحق اللاجئين، وإن اضطر للتراجع عنها بحجة أنها فهمت خطأً من البعض.. ورغم ما صحب ويصحب هذه المأساة من أكاذيب وسوء قصد وتقصير بحق ملايين السوريين الذين اضطرتهم ظروف الحرب للفرار من بلدهم.. ورغم كل هذا وغيره، فإن الإنسانية ممثلة بعوام الناس وبقية قليلة من نخب المجتمع الدولي ما تزال بخير. فهناك من لم تتلوث إنسانيتهم بالطمع والشر ولم تذهب مثلهم وقيمهم الإنسانية تحت وطأة الآلة الإعلامية الجبارة التي تملكها وتسيطر عليها قوى المصالح والنفوذ. نعم لا تزال الإنسانية بخير، وكذلك الضمير البشري الحي، والدليل ما جرى ويجري من تظاهرات شعبية في كثير من المدن الأوروبية، داعية للقيام بالواجب الإنساني والأخلاقي نحو اللاجئين السوريين، والكف عن تلك المواقف التي جلبت العار لبلدانهم وتاريخ شعوبها. وقد اضطرت هذه الحركة الاحتجاجية بعض الحكومات الأوروبية للتراجع وتعديل مواقفها. ففي كندا، وبمبادرة شجاعة تليق بها، أعلنت رئيسة حكومة أونتاريو (كبرى مديريات كندا)، «كاثلين واين»، عن تبرع حكومتها بعشرة ملايين دولار كندي لخدمة اللاجئين السوريين، كما أعلنت عن استعداد المديرية لاستقبال عشرة آلاف لاجئ سوري. كما حولت حكومتها مبلغ مليون دلار لوكالة الأمم المتحدة للاجئين، ومليون دولار آخر لبرنامج الغذاء العالمي، علاوة على 300 ألف دولار لمنظمة أهلية أسسها ناشطون في المجتمع المدني في تورنتو لجمع التبرعات والمعونات لصالح اللاجئين السوريين. وأهم من كل ذلك الرسالة التي وجهتها «كاثلين واين» للحكومة الفيدرالية: «هناك لحظات في الحياة السياسية قد تحس فيها أنك لم تفعل ما يتوجب عليك القيام به بشكل جيد. ونحن الآن علينا أن ندفع (النظام) ليعمل أكثر وأكثر لأن هذا النظام لا يعمل.. في حالات الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والعواصف الجوية وحرائق الغابات، يتعين علينا الذهاب أبعد من ذلك، فالظروف غير العادية تفرض علينا ذلك.. فهذه أزمة غير عادية.. أزمة اللاجئين السوريين». نعم الضمير الإنساني بخير، ومثل دعوة رئيسة حكومة أونتاريو، تجاوبت أيضاً «كوبيك» على لسان رئيس وزرائها الليبرالي، وكذلك رئيس حكومة ساسكتون اليميني المحافظ، ورئيس حكومة برتش كولومبيا الليبرالي.. وصولاً إلى عمدة تورنتو (أكبر مدن كندا) المحافظ، وعشرات الجماعات والمنظمات المدنية متجاوزةً حدود الخلافات الدينية والسياسية ومشكلة الإثنيات والثقافات والمصالح الطبقية. وما تزال هنالك بقية حول، ولا تزال الإنسانية بخير. ----------------------- *كاتب سوداني مقيم في كندا