الإحصاءات الأخيرة الصادرة عن «معهد الإمارات للدراسات المصرفية والمالية» بشأن التوطين في القطاع المصرفي في دولة الإمارات العربية المتحدة تكشف عن تراجع التوطين في القطاع عما كان مخططاً له، كما تؤشر إلى وجود حالة عزوف من قبل المواطنين عن العمل في هذا القطاع الحيوي، حيث تشير التقارير الصادرة عن المعهد إلى تراجع عدد المواطنين العاملين في القطاع بنحو 1123 مواطناً ومواطنة خلال السنوات الثلاث الماضية فقط، وذلك رغم زيادة عدد الموظفين في المصارف وارتفاع عدد فروع المصارف خلال تلك الفترة، حيث بلغ عدد المواطنين والمواطنات العاملين في القطاع في مارس 2014 نحو 11,676 مواطناً ومواطنة يمثلون 34.3% من إجمالي العاملين في القطاع المصرفي، في حين كان عدد المواطنين العاملين في القطاع المصرفي في عام 2011 نحو 12,799 مواطناً ومواطنة بنسبة 35.1%. الأمر المقلق في تراجع نسبة التوطين في القطاع المصرفي، أن هذا القطاع كان يعد من القطاعات الرئيسية التي تراهن الدولة عليها في عملية التوطين خلال السنوات الماضية، وكان يعد نموذجاً ناجحاً في ذلك، حيث ركزت جميع الجهات المعنية بالتوطين في الدولة جل اهتمامها على التوطين في هذا القطاع، وتم إلزام المصارف العاملة في الدولة منذ عام 1997 بزيادة توظيف المواطنين بنسبة 4% سنوياً، وهو الأمر الذي كان يعني ارتفاع نسبة المواطنين إلى أكثر من 50% من العاملين في القطاع في حال التزمت المصارف بهذه النسبة، لكن الواقع يشير إلى عكس ذلك، حسبما تظهره الإحصاءات الأخيرة، رغم زيادة عدد فروع المصارف الوطنية من 841 فرعاً في ديسمبر 2013 إلى 869 فرعاً في ديسمبر 2014 ثم إلى 873 في يونيو الماضي، ورغم توجه الدولة إلى تحفيز المواطنين للعمل في القطاع، كقرار المصرف المركزي الخاص بتوطين مناصب رؤساء الفروع للبنوك العاملة بالسوق المحلية، من خلال عدم السماح بترخيص أي فرع لأي بنك في الدولة، من دون أن يكون رئيس الفرع الجديد مواطناً أو مواطنة. لا شك في أن تراجع نسب التوطين في القطاع المصرفي يعود إلى العديد من العوامل، بعضها يرتبط بغياب عنصر الأمان الوظيفي، الناجم بالأساس عن ضعف الدخل والامتيازات الأخرى، وهو ما يعوق عملية استقطاب القوى العاملة المواطنة إلى القطاع. وبعضها يتعلق بتفضيل المواطنين العمل في القطاع الحكومي، نظراً إلى المزايا الكثيرة، ومنها انخفاض عدد ساعات العمل مقارنةً بالمصارف، إضافة إلى الفارق في العطلات الرسمية والأسبوعية، فضلاً عن عدم التزام العديد من البنوك بنسب التوطين المقررة لها من جانب وزارة العمل، والتحايل على ذلك بأساليب مختلفة، كأن تلجأ بعض المصارف إلى إعادة هيكلة أقسام بكاملها، وإسنادها إلى شركات مسجلة في المناطق الحرة، حيث لا يوجد نظام لحصص التوطين، كما أن بعض المصارف التي تقوم بتدريب بعض الطلاب المنتمين للتعليم العالي وتسجلهم في قائمة الموظفين لديها، لإعطاء الانطباع فقط بأنها ملتزمة بحصص التوطين. في الوقت الذي تولي فيه الدولة اهتماماً بزيادة نسبة التوطين في المؤسسات المالية والمصرفية في القطاعين الحكومي والخاص، نظراً لما يمثله هذا القطاع من أهمية متزايدة باعتباره محركاً أساسياً لاقتصاد الدولة، وأداتها لتحقيق أهدافها التنموية، فمن الضروري والمهم التحرك لمعالجة أوجه القصور التي تتسبب في عزوف المواطنين عن العمل في هذا القطاع الحيوي، وبالشكل الذي يعزز مسيرة التوطين فيه. ـ ــ ـ ـ ـ ـ ـ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية