في يوم 31 يوليو الماضي وفي قرية دوما بالضفة الغربية، حُرق الرضيع الفلسطيني «علي دوابشة» البالغ من العمر 18 شهراً حياً، وتشير كل الأدلة المتاحة إلى أن الحرق من تدبير مستوطنين إرهابيين، والأكثر إثارة للقلق أن عدداً ممن يشتبه في أنهم من المحرضين ويُحتجزون حالياً إلى أجل غير مسمى ليسوا مولودين في إسرائيل، بل تمتد جذورهم إلى الولايات المتحدة، لكن انتقادات أعمال الإرهاب في مجتمعاتهم قليلة. وحاخامات المستوطنين وزعماء الجالية الأميركية المهاجرة في الضفة الغربية إما قللوا من حجم الجريمة أو قدموا انتقادات خرساء. ومن المهم هنا أن نتذكر رد فعل رئيس الوزراء السابق إسحاق رابين على هجوم شنيع آخر وهو مذبحة الحرم الإبراهيمي التي قام فيها «باروخ جولدشتاين»، وهو طبيب وُلد في الولايات المتحدة، بقتل عشرات الفلسطينيين أثناء الصلاة في الخليل. وحينها شن رابين هجوماً غاضباً على منفذ الهجوم في الكنيست في فبراير 1994 «لقد نشأ في مستنقع مصادره القاتلة توجد هناك عبر البحر، وهي غريبة عن اليهودية، إنها ليست مصادرنا، إنك نبتة أجنبية وعشب دخيل، اليهودية الصحيحة تلفظك». لكن بعد أقل من عامين اغتيل رابين نفسه برصاص قومي إسرائيلي متطرف. وفجأة أصبح مجموعة من المهاجرين اليهود الأميركيين الذين يعيشون على هامش المجتمع من المنبوذين قومياً، ووصف الرئيس الإسرائيلي السابق «حاييم هيرتسوج» الولايات المتحدة بأنها أرض لتكاثر الإرهاب اليهودي، ووبخت صحيفة معاريف اليومية اليهود الأميركيين الذين «يرسلون أولادهم المجانين إلى إسرائيل». وطالب أحد الصحفيين الإسرائيليين باتخاذ خطوات عملية تحسبا لظهور أشخاص مثل «جولدشتاين» في المستقبل بحظر هجرة اليهود الأميركيين المتشددين. وتشير مصادر من الحكومة الأميركية وعدد من الدراسات إلى أن ما بين 12 و15 في المئة من المستوطنين أي ما يقرب من 60 ألف شخص تعود أصولهم إلى الولايات المتحدة، وبعضهم يعيش في مواقع على تلال يقيم فيها متطرفون وغالبية منهم تعيش في مستوطنات في ضواحٍ بالقرب من القدس ويعتبرون من بين أكثر الأشخاص تمسكا بأيديولوجياتهم. والمستوطنون الإسرائيليون الأميركيون لا يستشهدون في دعم حججهم بعبارات الكتاب المقدس، بل يستخدمون مفردات القيم والمثل الأميركية مثل وصف ما يفعلونه بأنه دفاع عن حقوق الإنسان وعن «كامل أراضي إسرائيل». ورغم أنهم يعيشون في مجتمعات اختاروها بأنفسهم ويوجد بها أحياناً نشطاء ممن يتبنون العنف نهجا، مازال كثير من المستوطنين الأميركيين الملتزمين بالقانون يعتبرون أنفسهم ليبراليين صالحين، والواقع أن نسبة كبيرة منهم من الناخبين «الديمقراطيين» الذين شاركوا في حركة الحقوق المدنية ومناهضة حرب فيتنام قبل انتقالهم إلى إسرائيل. ففي تسعينات القرن الماضي، كان الحاخام «شلومو ريسكين» الزعيم الروحي ومؤسس مستوطنة «أفرات» يتباهى بأنه شارك في مسيرات «مارتن لوثر كينج»، وأن لديه شعورا قويا بالحقوق المتساوية، لكنه يرى حالياً أن المستوطنين أصبحوا ضحايا، وقال: «نحن لا نقاتل ضد عدو يلعب وفق نفس القواعد التي نتبناها، مع الأخذ في الاعتبار قسوة وبربرية العرب ضد شعوبهم، فإن التزامنا الأخلاقي ليس ارتكاب الانتحار»، بل ذهب الحاخام الأميركي الإسرائيلي إلى حد تشبيه المستوطنين بالأميركيين الأفارقة أثناء حركة الحقوق المدنية. ورغم كل احتجاجات المستوطنين الأميركيين بأنهم ليبراليون صالحون فإن زعماءهم لم يُسمع لهم صوت ينتقد الأفعال الإرهابية التي ارتكبها المستوطنون في الآونة الأخيرة، فإذا كان المهاجرون الأميركيون هؤلاء يعتقدون أن العنف خيانة لقيمهم النبيلة، لماذا إذن لا يعقد حاخاماتهم مؤتمرات صحيفة ويستنكرون علناً الإرهابيين في مجتمعاتهم وفي أسرهم؟ أين مقالات الرأي في الصحف الأميركية والإسرائيلية التي تدين التطرف اليهودي العنيف؟ وعلى مدار أربعة عقود إما تم إخراس انتقاداتهم أو تخفيفها بمحاولات التقليل من شأن الإرهاب اليهودي باعتباره مسألة «فهم للسياق» وهو تعبير مخفف لما يقال إنه رد فعل على العنف الفلسطيني، ورغم أنه لا يوجد تبرير بالمرة للعمليات التي يقوم بها بعض الفلسطينيين، فلا يكفي أن يأمر اليهود أيضا للفلسطينيين بالاعتدال ونبذ القتلة والتوقف عن التحريض وينسون أنفسهم من التزام نفس الخطوات التقدمية، ويتعين على اليهود الأميركيين في الداخل والخارج ألا يتغاضوا عن العمى والخرس المطبق عندما يتعلق الأمر بالتطرف اليهودي في إسرائيل، إن من واجب كل شخص يسعى لتطبيق السلام والعدل أن يتبنى دعوة رابين بأنه يجب نبذ الإرهابيين والمتعاطفين معهم من بيننا. سارة يرشهورن باحثة وزميلة في جامعة أوكسفورد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»