حينما تتبع حكومة ما سياسة عدم التسرع والاستباق في تطبيق تجربة سياسية جديدة عليها وتعمل بهدوء وتأنٍّ وتقف مع كل تفاصيلها الثقافية، فالذي ينبغي علينا أن نفكر فيه كمحللين سياسيين هو: هل السبب في ذلك هو الرغبة في تعميق التجربة من خلال الوصول إلى صيغة مناسبة للحفاظ على مكتسبات الوطن، أم أن هناك قلقاً وتردداً في خوضها من الأساس؟! أتحدث هنا عن تجربة انتخابات المجلس الوطني الاتحادي لدولة الإمارات، التجربة التي يزداد صداها الإعلامي محلياً وإقليمياً مع اقتراب الموعد المقرر لإجرائها في الثالث من أكتوبر القادم. الإمارات ليست من الدول التي تستنسخ التجارب الاجتماعية والإنسانية من الآخرين كما هي، حتى ولو كانت تجارب ناجحة، لأن اختلاف المكان (البيئة) وأحياناً الزمان أيضاً، له دور في ذلك، كما أن نقل تلك التجارب ليس محكوماً برغبات شخصية، لأن للثقافة والتقاليد دوراً في اختيار ما هو مناسب، وعلى الدول أن تخوض التجربة وفق تقاليدها الخاصة. لهذا السبب نجد أن أي تجربة تنوي الإمارات تطبيقها تمر بقنوات مؤسسية عديدة، وتحظى بمناقشات مختلفة تتم فيها دراسة ومراجعة مختلف التأثيرات المحتملة، وربما تكون النتيجة النهائية لها شيئاً آخر مختلفاً عما تم نقله. إن كل من تابع سير انتخابات المجلس الوطني منذ عام 2006 إلى اليوم، عايش خطوات الانتقال الثابتة لترسيخ التمكين السياسي لمواطني الإمارات، الاستراتيجية التي أعلنها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله. فهي من الخطوات التي تبني للأجيال الإماراتية المقبلة، وليست وقتية، ومن ثم ينبغي التمعن فيها. والشيء الجميل في هذا الانتقال التدرجي أنه يؤسس لثقافة المشاركة السياسية وصولا إلى مفهوم الديمقراطية الكاملة بين كل شرائح المجتمع، على اعتبار أن التجارب الديمقراطية العربية أثبتت أن هناك غياباً لهذه الثقافة، مع أن البعض يمارسها منذ عقود طويلة. وحينما يتعلق الأمر بالدول العربية وبعض أجزاء الشرق الأوسط، فإن الحذر من نقل التجربة المجتمعية كما هي يكون مطلوباً، والقلق من نتائجها يكون حاضراً. فحسب التجارب الديمقراطية أو المشاركة السياسية فإن نتائجها في الأغلب كانت سيئة على الوطن. والإمارات على دراية بتلك النماذج وبالعوامل التي تؤثر في عملية اختيار ممثلي الشعب، ولعل أبرزها: البعد الاجتماعي، على سبيل المثال روابط الدم وأحياناً الطائفة الدينية، وكذلك العادات والتقاليد على الناخبين للانحياز لهذا المرشح أو ذاك. وكانت على دراية أيضاً بالعامل المصلحي، أي أن الناخب يقوم بمنح صوته إلى من يمكن أن يحصل منه على مصلحة مادية، وبالتالي فقد اختارت أن تتبع أسلوبها من أجل تقليل تداعيات حدوث مثل هذا النظام. الباحثون في الفكر السياسي يتفقون على أنه لا يوجد شكل معين أو نظام وحيد للمشاركة السياسية بقدر ما أن الهدف النهائي هو إشراك المواطن في مسألة اتخاذ القرار، وبالتالي فالشيء الذي ينبغي على المواطن استيعابه هو أهمية اختيار الشخص المناسب ليكون المشرع للقوانين المحافظة على المنجزات والمراقب للعمل الحكومي الذي يعني في النهاية مصلحة الوطن والمواطن. النموذج الإماراتي موجود هذه المرة من خلال خطوتين مهمتين تسيران نحو تعميق المشاركة السياسية: الأولى زيادة عدد الهيئات الانتخابية بنسبة 66% في دلالة على رغبة الحكومة في إعطاء فرصة لأكبر عدد من الناخبين الإماراتيين للمشاركة في اختيار ممثليهم في البرلمان. والثانية بدء تطبيق نظام «الصوت الواحد»، مما يعني تكثيف مسؤولية الناخب في اختيار العضو المناسب، فلم تعد هناك مرونة أمام الناخب لترضية كل الأعضاء من خلال انتخاب الجميع، بل المطلوب منه قرار واضح. تسلط العديد من التجارب التنموية في العالم العربي الضوء على ما تحققه الإمارات من نجاحات باهرات. وإذا كانت التجربة الاقتصادية أبرزها عالمياً، فإن مؤشرات التجربة الانتخابية التي لم تتجاوز العقد، تظهر أنها تسير نحو النضوج والاكتمال. وكقاعدة أساسية، فإن الإمارات لها نهجها الخاص في نقل التجارب التنموية، ومنها «التمكين السياسي»، وهو تجربة تتناسب طردياً مع ثقافة المجتمع ومع الاحتياجات الحقيقية في الوقت المناسب. وإذا نظرت إلى تلك التجارب كمراقب محايد لما تفعله هذه الدولة، فستجد أنها تقدم نموذجاً يحتذى؛ وهو النظام الفيدرالي الإماراتي مثالاً. --------------------- *كاتب إماراتي