اتسعت دائرة الثورة السورية بين صراع القوى الداخلية لإسقاط نظام "البعث" السوري لتصل إلى أطراف إقليمية ودولية، التي بدورها دخلت من خلال المحددات السياسية والعقائدية والأيديولوجية لنظام "البعث" السوري مع أطراف إقليمية كإيران ودولية كروسيا والصين، كما أن تشعب المعارضة السورية أفسح الطريق لدخول أطراف دولية وإقليمية، والذي جعل المعارضة السورية المعتدلة تعاني من قوة وتعدد المليشيات الإسلامية المتطرفة، إلى جانب ما أفرزته الجغرافيا السورية من تمدد القضية الكردية، ووضع العراق الأمني والسياسي، وعدم تماسك لبنان والدور التركي، ناهيك عن الأمن الإسرائيلي. فسوريا اليوم معضلة أمنية في المنطقة، إلى كونها قد دخلت في قائمة الدول الفاشلة. وإذ نقف اليوم أمام الشعب السوري الذي طالهُ الدمار والتهجير والموت والفقر، فإننا نقف على حقيقة تقاطع لصراع إقليمي ودولي يمكن تطويقهُ في دائرة تحتوي على صراع بعض الدول حول مصالحها الأمنية والحفاظ على القوة والنفوذ نحو ما سوف تؤول إليه الثورة السورية من نتائج سياسية وعقائدية وأمنية. دائرة الصراع الإقليمي والدولي تشمل أطراف متعددة، فالطرف العربي يمكن اختزالهُ حول مسار محدد عبر إنهاء المأساة الإنسانية السورية بشكل أساسي، ومنع نمو الميليشيات الإسلامية السُنية والشيعية، التي ربما تقود إلى تقسيم سوريا والعراق إلى دوليات، والذي بدوره سوف يفسح المجال لتحالفات تقوم على أبعاد دينية ومذهبية وقومية ترسم منطقة الشرق الأوسط من جديد. وهذا المسار العربي يبدو منقسماً ومختلفاً حول رؤية تمزج بين بقاء مؤقت لنظام بشار ورحيل كنتيجة حتمية، وذلك لكي لا تبقى سوريا من دون جيش وأمن ومؤسسات تُقَوم الدولة في فترة انتقالية. هنا يبقى السؤال محيراً، إلى أي مدى تمتلك بعض الدول العربية بعينها علاقة تنسيق تصل للتحكم في المعارضة السورية المعتدلة والمليشيات الإسلامية المتطرفة بسوريا مع طرف آخر مهم هو أكراد العراق وسوريا؟ تلك العلاقة التي يمكن من ورائها إيجاد تسوية، علماً بأن جزءاً لا يُستهان به من المعارضة السورية المعتدلة أصبح اليوم يرى "داعش" و"جبهة النصرة" أشد خطراً على مستقبل سوريا من نظام بشار. أما الطرف التركي، فبات يخشى من تمدد القضية الكردية، فأنقرة التي تُسمي الأكراد بأتراك الجبل، أصبحت على خوف من تفجر القضية الكردية بداخلها بشكل دموي بسبب الوضع الأمني المتردي بالعراق وسوريا، وفي الشأن الكردي، تبدو إيران أقل خطراً من تمدد القضية الكردية. ومن الطبيعي التسليم بأن كلا الطرفين "العربي والتركي" يرغبان في إضعاف النفوذ الإيراني العابر للأقطار في المنطقة العربية. وعلى المستوى الدولي يبدو الدب الروسي يحمل حضوراً محورياً في استمرار ومستقبل الثورة السورية من خلال دعمه لنظام "البعث" حتى عبر الأمم المتحدة، كما أن "موسكو" تمسك بالطرف الإيراني الحليف والداعم لنظام "بشار"، بل هي من جعلت طهران لاعباً إقليمياً مؤثراً دولياً، مدفوعاً بإستراتيجية تقليص واقعية فكرة هيمنة الولايات المتحدة في النظام الدولي العالمي كما في إستراتيجية مجموعة دول "بريكس". ومن الصعب قبول فكرة أن تخسر موسكو وطهران حضورهما في سوريا، فالطرف الروسي له مصالح قوية ذات بعد دولي كبير، فتوسيع القدرة البحرية الروسية ركيزة أساسية في قوة وعودة النفوذ الروسي، حيث يقف الدب الروسي على قاعدتهِ العسكرية في ميناء طرطوس السوري، متجاوزاً أهمية موقع سوريا في الشرق الأوسط، حيث إسرائيل ولبنان وتركيا والأردن والعراق إلى حضور روسي موجه لأوروبا في أمن البحر المتوسط ومرور الطاقة والتجارة منه، كما أن موسكو تسوغ تواجدها في سوريا بدور إقليمي ودولي جديد عبر محاربة "داعش". وعلى الجانب الآخر، إيران لن تقطع أذرعها من "حزب الله" وقوات الحرس الثوري الإيرانية المسيطرة على نظام بشار، لأنها اليوم في أوج قوتها بعد الاتفاق النووي "الذي من المرجح أن يصادق عليه الكونجرس الأميركي". فطهران تعي أن خسارة نفوذها في سوريا ستكون لها انعكاس سلبي على ما تصبو إليه من مكانة في الشرق الأوسط. ويبقى النظام السوري محصوراً ومدركاً بأنه حجر تحركه موسكو وطهران، وإن سوريا سقطت من يديه وأصبحت بين المعارضة المعتدلة والميليشيات الإسلامية والكردية، وأيضاً بين صراع قوى إقليمية ودولية. فهل تجتمع كل تلك الأطراف المتصارعة حول إنهاء الثورة، أم ستكون خريطة سوريا مقسمة مذهبيا وقوميا؟ ويبقى الملف السوري بكل تعقيداتهِ الإنسانية والسياسية والأمنية بيد موسكو وطهران، اللتين تمسكان بأهم العقد فيه. كاتب ومحلل سياسي