يشهد العالم هذه الأيام واحدة من أكبر الجرائم الإنسانية التي يمكن أن يقترفها بنو البشر في حق بعضهم بعضاً، أفواج بشرية من السوريين الهاربين من مصير محتوم إلى آخر مجهول، وقد شردهم القصف والعنف والقتل على الهوية من بلادهم، فراحوا مفزوعين هائمين على وجوههم، لا يعرفون أي وجهة سيؤول إليها حالهم، يحْدُوهم التعلق بأهداب الحياة، وتدفعهم الرغبة في الخلاص من أوضاعهم المأساوية إلى أحلامهم الوردية. أفواج من البشر تتلاطم بهم أمواج المتوسط في قوارب تشبه «التوابيت» العائمة الهائمة، تهدهد خيالاتهم وسط أهوالها الرغبة في أن يصلوا إلى أطراف «القارة العجوز»، وهم على قيد الحياة. وفي هذا السياق يشير العديد من التقارير إلى أن عدد اللاجئين السوريين وصل نحو 7 ملايين، منذ بداية الأزمة السورية إلى الآن. 70% من اللاجئين يتجهون إلى أوروبا لاعتبارات أسلوب الحياة الذي تتمتع به الدول الأوروبية، والنظام العام الذي يسمح بالحصول على امتيازات لحين حصولهم على فرص عمل، ومن ثم الجنسية وغيرها. وزيادة على هذا أيضاً تتفشى صور نمطية وردية في أذهان كثيرين عن أوروبا، باعتبارها «قارة الأحلام». ففي سياق تعاطي الإعلام مع أهوال أزمة، أو محنة اللاجئين الراهنة، شن عدد من الصحف الأوربية هجوماً على دول الخليج تحديداً، بعد تصريحات المستشارة الألمانية ميركل حول أسباب اتجاه اللاجئين إلى أوروبا، وعدم لجوئهم للدول القريبة منهم والأقرب إليهم! ولم يستند مروّجو تلك الحملات على الحقائق والأرقام المتعلقة بأشكال الدعم الكبيرة، والكثيرة، التي قدمتها دول الخليج للشعب السوري في محنته الممتدة الآن لأكثر من 5 سنوات، على رغم أن الخليجيين قدموا مليارات الدولارات من أجل دعم الشعب السوري، والدفاع عن حقوقه وكرامته، وتعبيراً عن الوقوف بجانبه بكل الوسائل والسبل الممكنة. ثم من قال إن دول الخليج لم تستقبل الأشقاء السوريين؟ فحسب مصادر مطلعة، فإن الإمارات تضم أكثر من 250 ألفاً من السوريين يعملون ويتمتعون بحقوقهم كاملة، كما أن السعودية استقبلت أيضاً منذ بداية الأزمة نحو 2,5 مليون سوري، وحرصت على ألا تتعامل معهم كلاجئين، ولم تضعهم في معسكرات لجوء حفاظاً على كرامتهم وسلامتهم ومنحتهم حرية الحركة الكاملة. وهناك مئات الآلاف الذين يعيشون أيضاً في بقية دول الخليج الأخرى ويتمتعون بالحقوق كافة؛ لأنها تعاملت مع هذا الملف من منطلق إنساني بحت. إن الدول الأوروبية أيضاً لا بد أن تتحمل التزاماتها تجاه اللاجئين، بصفتها عضواً فاعلاً وثرياً في المجتمع الدولي، إضافة إلى اعتبار أن اللاجئين قد وصلوا إلى أراضيها، وبالتالي فهي ملزمة بحكم المواثيق الدولية، بحمايتهم ومعالجة الانتهاكات التي يُعانونها. ومع أن بعض دول الاتحاد الأوروبي استقبلت عدداً من اللاجئين إلى الآن، إلا أن بعضها الآخر قابلهم بالتعنيف والضرب وخشونة المعاملة، وليس هذا فحسب، بل إن بعضها اقتصرت موافقته على استقبال لاجئين على اعتبارات دينية، كما أن قبول اللاجئين، بصفة عامة، كان بأعداد متواضعة بالنسبة لحجم دول الاتحاد الأوروبي. وكذلك الرئيس أوباما، أمر فريقه بالاستعداد لاستقبال نحو 10 آلاف لاجئ فقط، مع أن الولايات المتحدة قوة عظمى، ودولة - قارة تبلغ مساحتها 9,83 مليون كيلومتر مربع. ومع هذا فنحن كخليجيين، وكعرب، لا نتخلى عن واجبنا تجاه أشقائنا السوريين، ولن نتوانى في مؤازرتهم، حتى يخرجوا من أزمتهم، هذا مع وعينا بضرورة عودة اللاجئين والمهجّرين إلى وطنهم، وعدم السماح للغرباء بأخذ أماكنهم ونهب موارد وطنهم، وتخريب ثقافتهم، التي تعد من أقدم الحضارات البشرية. إن مسألة تهجير الشعب السوري وتسهيل مهمة مغادرته من الدول المجاورة لوطنه، لم تأتِ من فراغ، وإنما يبدو أنها تأتي ضمن تخطيط مُحكم لإعادة تغيير البنية الديموغرافية في ذلك البلد العربي، وتغيير هويته ومذهبه ووضعه تحت العباءة الفارسية. كما أن ذلك قد يدفع، مستقبلاً، إلى مزاعم من قبل إسرائيل بحاجتها إلى وضع حزام أمني بينها وبين سوريا. ـ ــ ــــ ـــ ـ صحفي إماراتي