لاشك أن الدول التي تعرف اضطرابات سياسية وأمنية مستمرة غالباً ما يتأثر سكانها الذي يضطرون للبحث عن دول أخرى يستقرون فيها؛ فقشرة الدولة الحامية للأفراد والجماعات عندما تتهاوى، تجعل المئات بل الآلاف من السكان يفكرون في الهجرة والهروب من جحيم الحروب، ولعل سوريا الآن تعد أوضح مثال على ذلك. فالشعب السوري يبقى تحت رحمة سندان النظام الديكتاتوري السلطوي، ومطرقة الإرهاب والاضطرابات والخوف المستمر، وضيق الأمل بل وانعدامه في المستقبل القريب والمتوسط، حيث لا مدرسة ولا مأوى للأطفال، وحيث لا عمل ولا راتب للآباء والأمهات، ولا يدري الإنسان في أي وقت ومن أي مكان ستأتيه رصاصة طائشة أو متعمدة تودي به وبأفراد أسرته.. وانطلاقاً من هذا الواقع المر الذي تفاقم منذ سنة 2011 في سوريا وما زال يتفاقم، والفوضى العارمة التي تعم دولاً أخرى مثل ليبيا، جعلت البحر الأبيض المتوسط ممراً للاجئين والمهاجرين ومقبرة للعديد منهم. إذ تشير تقارير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن أزيد من 2000 شخص لقوا حتفهم غرقاً خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري في البحر المتوسط، منهم 1300 غريق في شهر أبريل وحده. وهذا العدد يساوي أربعة أضعاف غرقى عام 2013. وهناك دول أكثر عرضة لاستقبال المهاجرين كإيطاليا التي غالباً ما تشكو من تنصل الشركاء الأوروبيين الآخرين من مسؤولياتهم، وهو ما جعلها مع العديد من الدول الأخرى تطالب بتغيير قواعد «دبلن»، بحيث يتم إجراء توزيع عقلاني وإنساني للاجئين والمهاجرين على مختلف دول الاتحاد، بعد أن أعلن مكتب الإحصاء الأوروبي «يورستات» أن نحو 170 ألف مهاجر (أكثرهم سوريون) عبروا المتوسط في عام 2014 وحده باتجاه السواحل الإيطالية. وموازاة مع هذه الوقائع المرة، فإن الساسة الأوروبيين يستغلونها في مزايدات سياسية وجدالات إيديولوجية وفكرية عقيمة في كل وسائل الإعلام غالباً للتنصل والممانعة.. ولذا نسمع هذه الأيام جدلًا لتحديد وضعية السوريين: هل هم مهاجرون أم لاجئون؟ فاللاجئون حسب تعريف مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة هم أشخاص فارون من الصراع المسلح أو الاضطهاد. وغالباً ما يكون وضعهم خطراً جداً ويعيشون في ظروف لا تُحتمل تدفعهم إلى عبور الحدود الوطنية بحثاً عن الأمان في الدول المجاورة، وبالتالي يتم الاعتراف بهم دولياً كـ«لاجئين» يحصلون على المساعدة من الدول المعنية والمفوضية ومنظمات أخرى. ويوفر القانون الدولي الحماية للاجئين، وذلك بحسب اتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئ، ومن أهم المبادئ الأساسية المنصوص عليها في القانون الدولي وجوب عدم طرد اللاجئ أو إعادته إلى أوضاع قد تهدد حياته وحريته. أما المهاجرون وفق تعريف المفوضية فهم أشخاص يختارون الانتقال ليس بسبب تهديد مباشر بالاضطهاد أو الموت، بل لتحسين حياتهم بشكل أساسي، من خلال إيجاد العمل أو في بعض الحالات من أجل التعليم أو لمّ شمل العائلة أو أسباب أخرى. وعلى عكس اللاجئين الذين لا يستطيعون العودة إلى وطنهم بأمان، لا يواجه المهاجرون مثل هذه العوائق للعودة. فإذا اختاروا العودة إلى الوطن سيستمرون في الحصول على الحماية من حكومتهم. فالفرق إذن بين الحالتين مهم جداً، إذ إن الدول ستتعامل مع المهاجرين تماشياً مع قوانينها الداخلية، ولكن التعامل مع اللاجئين يكون بموجب قواعد حمائية للاجئين في القانون الدولي... والخلط المتعمد يؤدي ثمنه اللاجئ الذي لا حول له ولا قوة. وقد ألقى رئيس المفوضية الأوروبية خطاباً إنسانياً وتاريخياً تحت قبة المفوضية الأوروبية، إذ أكد أن تسوية أزمة اللاجئين يجب أن تكون إحدى أولويات الاتحاد الأوروبي، قائلاً إن «الأهم هو مسألة الإنسانية والكرامة الإنسانية». وقال: «يجب ألا ننسى أبداً لماذا منْح اللجوء واحترام الحق الأساسي في اللجوء مهم للغاية»، مضيفاً أن «الكل في أوروبا في أوقات مختلفة كان لاجئاً». وأعطى بالأرقام حقائق مخيفة «فحوالي 500 ألف من اللاجئين وصلوا إلى أوروبا منذ بداية العام. وهؤلاء الناس يهربون من الحرب في سوريا وتنظيم داعش في ليبيا والنظام الاستبدادي في إريتريا». كما قدّم مقترحاً بأن تستقبل 25 دولة من بين 28 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي 160 ألف لاجئ، ولكن هذا التقسيم يبقى عملية تتعدى مسألة الاستضافة وتوفير الوظائف والأمكنة في أرض الله الواسعة، وإنما يجب إيجاد أمكنة لهم في عقول الأوروبيين أيضاً؛ ففي مقال منشور على موقع «هافنغتون بوست» الألماني، يقول رئيس تحرير الموقع إنه خلال الأشهر والسنوات المقبلة، سيكون على الأوروبيين إعادة دمج شريحتين في نفس الفترة: اللاجئون الذين سيبقون معهم لفترة طويلة و«المواطنون القلقون»، وخاصة ممثلي ثقافة الخوف، ويتابع بقلق «ستكون المهمة أصعب مع المجموعة الثانية على الأغلب»، وهذه هي الإشكالية التي على الأوروبيين مواجهتها. ---------- أكاديمي مغربي