يوم الخميس الماضي عاد لينين إلى برلين. وفي الواقع، عاد رأسه فقط، ولكنه رأس يزن قرابة أربعة أطنان، ولذلك، فإن عملية الاستخراج لم تكن حدثاً عادياً. واللافت أنه بينما تعمل أوكرانيا على إزالة الرموز السوفييتية وإعادة تسمية الشوارع، نجحت دائرة الثقافة بمنطقة «سباندو» في برلين في استخراج الرأس من المكان الذي كان مدفوناً فيه منذ 1991، إلى جانب أجزاء أخرى من التمثال الذي يبلغ ارتفاعه 19 متراً. وهو ما يدل على أنه إذا حاول المرء عبثاً دفن التاريخ، فإن التاريخ دائماً يأبى إلا أن يجد طريقاً للخروج والظهور! وتمثال لينين في برلين هو من إبداع نيكولاي تومسكي، الذي يُعد أحد أكثر فناني الفترة السوفييتية توشيحاً بالأوسمة، وقد نحت أكثر من عشرة تماثيل كبيرة حقاً للينين، ومعظمها ما زال قائماً في مكانه. أما وضعه هناك، فقد كان من بنات أفكار فالتر أولبريشت، أحد زعماء ألمانيا الشرقية منذ ولادتها في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى أوائل السبعينيات. ودُشن تمثال برلين في 1970 في إطار الاحتفالات بالذكرى المئة لميلاد الزعيم الثوري. وقد اعتاد عليه سكان العمارات السكنية المجاورة إلى درجة أنهم شكّلوا جمعية في 1991 للاحتجاج على إزالته من الساحة. وانضمت إلى الاحتجاجات شخصيات ثقافية، وسياسيون يساريون، بل وحتى أحفاد تومسكي، ولكن هيليوس مانديبورو، عمدة منطقة «فريدريكشاين» وقتئذ، ضغط في اتجاه تمرير قرار تفكيك التمثال الضخم. وكان مانديبورو يكنّ مشاعر حقد شخصية للينين لأنه أمضى عامين ونصف العام في سجون ألمانيا الشرقية بسبب تنظيمه احتجاجات. وبعض البلدان -مثل ليتوانيا وروسيا- لطالما كانت لديها متاحف وحدائق خصصت لاحتضان التماثيل السوفييتية التي أزيلت من أماكنها الأصلية. أما برلين، التي عملت على محو كل علامات وآثار ماضيها النازي، فقد كان لديها موقف أكثر تردداً تجاه الإرث الشيوعي، ربما لأن الحزب السياسي الذي خلف شيوعيي ألمانيا الشرقية ما زال ممثلًا في البرلمان، والتقاليد اليسارية ما زالت قوية. فنصب الانتصار السوفييتي في حديقة «تريبتو»، مثلًا، ما زال قائماً ومحفوظاً بعناية وحب، وكلمات ستالين المنقوشة على قاعدته الرخامية ما زالت تطلى بالذهب باستمرار. وشخصياً، أعتزم اصطحاب بناتي لرؤية رأس لينين في «سباندو»، حيث ستكون تلك طريقة جيدة لأريهن ذلك الجزء من حياتي، ومن حياة برلين. ويمكن القول إن ثمة سبباً لعدم بقاء لينين مدفوناً: ذلك أن مشاعر الفضول تنتصر دائماً على مشاعر الغضب والألم. ليونيد بيرشيدسكي كاتب ومحلل سياسي روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»