لكل حدث دلالاته ومعانيه، ونحن بإزاء حدث استثنائي يفرض المزيد من التصميم لإنجاز المهمة التي يجب أن تنجح وأن يكون النصر لا سواه غايتها، فأمام استشهاد كوكبة من أبطال الإمارات، ومعهم ثلة من إخوتهم من الجيشين السعودي والبحريني والجيش الشرعي اليمني، كانت الدلالة واضحة ومحفزة على مواصلة تطهير اليمن من عصابة الحوثيين المجرمة. إن الوفاء للشهداء الذين ضحوا بدمائهم الزكية لن يكون إلا بحسم المعركة وتحقيق الهدف المتمثل في إنهاء الانقلاب الحوثي الإيراني، وإعادة الحكومة الشرعية إلى اليمن، ومساعدة اليمنيين على بناء دولة تهتم بشعبها وتنقذه من الفقر والانفلات الأمني. كانت دول مجلس التعاون الخليجي سباقة في رعاية الانتقال السياسي الآمن في اليمن، ومثلت المبادرة الخليجية وما تلاها من حوارات بارقة أمل، لكن الحوثيين وحلفاءهم قفزوا على المبادرة ونتائج الحوار ثم انقلبوا على سلطة الرئيس الشرعي، وبدؤوا اجتياح المحافظات والمدن، مما أدى إلى استنجاد الحكومة الشرعية بدول الخليج التي شكلت تحالفاً عربياً لإعادة الأمور إلى نصابها في اليمن وإنقاذ شعبه من عنف الجماعة المارقة. لقد تحولت مليشيات الحوثيين وقادتها إلى تجار للوقود الذي افتتحوا لأجله الأسواق السوداء لجني الأموال، بينما ازداد تذمر السكان وتأييدهم للتخلص من هيمنة الجماعة التي تحاربهم وتدمر اقتصادهم وتخزن الأسلحة في مدارس أبنائهم وتقصف مستشفياتهم. ومنذ ظهورهم شرع الحوثيون في العمل على بث وتصدير الكراهية وتهديد النسيج الاجتماعي اليمني وإقصاء كل من يختلف معهم، وسعوا إلى تهديد جيران اليمن بمناورات عبثية كلفتهم بها طهران، وبعد أن خدموها بغباء تخلت عنهم وذهبت للتفاوض بشأن برنامجها النووي، فكانوا مثل غيرهم من أدواتها مجرد أوراق للضغط والابتزاز لا أكثر، حتى عندما قررت مساعدتهم أثناء ورطتهم في مجابهة القوة الضاربة للتحالف العربي، أرسلت لهم مساعدات غذائية فاسدة ومنتهية الصلاحية تم حجزها في جيبوتي. الحوثيون الآن قاب قوسين أو أدنى من فقدان الوهم الذي اخترعوه ثم صدقوه، وسوف تستمر مهمة إنقاذ اليمن وشعبه من الانقلابيين الذين غامروا بتأجير أنفسهم لخدمة الأجندة الإيرانية الطائفية في المنطقة، ونحن نعرف حجم معاناة أبناء اليمن الذين تؤيد غالبيتهم الساحقة قوات التحالف العربي ويباركون تحريرها للمدن والمحافظات بالتعاون مع المقاومة اليمنية، وبعد خطوة تحرير عدن ومحافظات جنوب اليمن، سيأتي الدور على بقية المناطق اليمنية لتخليصها من الحوثيين وهمجيتهم. أما من يتحدثون عن الحاضنة الشعبية للحوثيين فهذا وهم آخر سقط أيضاً، فالأنباء تشير إلى قيام الحوثيين بحملات اعتقال متكررة في المناطق التي قيل إن لهم فيها حاضنة تؤيدهم، ومن يتابع تصريحات أغلب الناشطين والإعلاميين في اليمن يجدهم يتحرقون شوقاً للقضاء على أولئك المجرمين، ويترقبون تحرير بلادهم المخطوفة، ويتحدثون بحسرة عن الضحايا الذين يقتلهم أو يعتقلهم الحوثيون. لقد كانت جهود وتضحية الإمارات كبيرة في مهمة استعادة اليمن وإنقاذه، فقبل أيام شيّع الإماراتيون بفخر واعتزاز نخبة من شهداء القوات المسلحة الأبطال، ونحن نعرف سبب استهداف جنودنا في هذه المهمة، وأن التضحيات التي قدمها أبطالنا تأتي بقدر الحرص على فاعلية الدور الإماراتي ضمن المنظومة الخليجية، لذلك يزداد التصميم على تحقيق الانتصار. ومنذ معركة تحرير عدن قدمت الإمارات الكثير في إطار الهبّة الخليجية العربية لإنقاذ اليمن من الفراغ السياسي الذي نشأ عن انقلاب الحوثيين على الشرعية. وإذا كانت الإمارات قد عملت في عهد مؤسس الاتحاد على إعادة بناء سد مأرب التاريخي في العصر الحديث، فإنها لن تسمح للقوارض الجديدة بتخريب وتدمير حياة أشقائنا اليمنيين، وسيتم إنقاذ السد هذه المرة قبل أن يعبث بجداره الفأر. -------------------- *كاتب إماراتي