منذ زمن ليس ببعيد، قال المنتقدون إن الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016 ستكون على شكل سباق رتيب بين كلينتون وبوش. وعلى رغم أن هذا الاحتمال لا يزال قائماً، إلا أنني سأتجنب المراهنة عليه. وعندما بدأت التوقعات الصحفية تتحدث عن استعداد هاتين العائلتين للتنافس من جديد في المعركة الانتخابية، بدا وكأن من شبه المستحيل تجنّب التطرق لقضايا برزت بقوة على المسرح السياسي، كقول البعض إننا أصبحنا على أعتاب حالة تسودها ظاهرة «الأسر السياسية»، في نظام جمهوري. وتتشابه حملتا جيب بوش وهيلاري كلينتون في أن كلاً منهما قد سخّر أفضل النشطاء في حزبه وتمكن من زيادة حجم الأموال المجموعة للحملة، واستقطب أيضاً المزيد من موافقات التزكية بأكثر مما فعل منافسوهما. وقد أظهرت استطلاعات الرأي الأولية أن من المرجح فوز بوش وكلينتون ببطاقتي الترشيح عن حزبيهما للانتخابات الرئاسية. ومع انطلاق موسم الحملة، بات من الواضح أن العديد من الناخبين الذين سيصوتون لأول مرة، يريدون شيئاًً لا يتوفر في بوش ولا في كلينتون، وهو «الموثوقية». وبدا وكأن العديد من الجمهوريين والديمقراطيين غاضبون من قياداتهم التي تعدهم بشيء وتفعل عكسه. وفي جانب الحزب الجمهوري، وجّه «جيب بوش» وبقية الأعضاء البارزين في الحزب كحكام الولايات والسيناتورات، صفعة قوية للمرشحَين غير الدبلوماسيين الذين أظهرت استطلاعات الرأي، في البداية، أنهما بعيدان جداً عن المقدمة. وهما، «دونالد ترامب»، الملياردير المحب للمظاهر، و«بن كارسون»، جرّاح الأعصاب، اللذان تمكنا من انتزاع الدعم من نصف الناخبين الجمهوريين. وقد أجمعت آراء المنتقدين والمحللين على أن أداء «ترامب» في الحملة لم يكن ضعيفاً فحسب، بل كان سيئاً أيضاً، وأن «كارسون» مثل دور «الحاضر الغائب» فيها. ولكن، بعد أسابيع أعقبت هذا الجدل، ما لبثت شخصية «ترامب» القيادية أن برزت من جديد، فيما سجل «كارسون» زيادة ملحوظة في أرقامه الاستطلاعية. وفي مقابل ذلك، خسر المرشحون المفضلون لدى الحزب الجمهوري، وهم جيب بوش وماركو روبيو وسكوت ووكير، مساحة من أرضيتهم الانتخابية. وظهر أن عدداً كبيراً من الناخبين الجمهوريين ما عادوا يثقون في السياسيين. وكان أداء «كلينتون» أفضل بقليل، وربما يعود سبب ذلك بشكل أساسي إلى أنها لم تواجه حتى الآن إلا زمرة صغيرة العدد من المعارضين والمنافسين ذوي الشهرة المتواضعة. وعلى رغم هذا فقد بدأت الصعاب تلوح في أفق حملتها. وفي استطلاعات الرأي على المستوى الوطني، لا زالت تحتكر الريادة والتفوق على أقرب منافس لها وهو السيناتور «بيرني ساندرز». وعلى رغم أن «ساندرز» يفتقد للشخصية الكاريزمية، فقد بدا واقعياً وفعالاً عندما تمكن من تجييش حشد كبير من الناخبين الذين صدقوا حديثه بأن «اللعبة تم تحريفها» لمصلحة كبار الأغنياء لتصيب الفقراء وشريحة الطبقة المتوسطة بالأضرار. وفي الولايتين اللتين تصوتان أولاً، أظهرت استطلاعات الرأي أن «ساندرز» إما أنه يقترب من كلينتون (ولاية آيوا) أو يتفوق عليها (ولاية نيو هامبشر). ومما يزيد من قلق مؤيدي كلينتون، أن استطلاعات الرأي عبر البريد الإلكتروني أظهرت معارضة قوية لها أثرت على تصنيفها الشخصي. وقد أصبح عدد متزايد من الناخبين ينظرون إليها نظرة سلبية، كما أن ناخبين في مقابل كل واحد تقريباً يرون أنها غير جديرة بالثقة. ويتعلق السبب الثاني في تغيير حظوظ بوش- كلينتون في التفوق بالمرشحين ذاتهما. وخاصة بعد أن أثبتا أنهما عاجزان عن تنظيم الحملات الانتخابية الفعالة. وقد ارتكبا الكثير من الأخطاء أثناءها، وبدا واضحاً عجزهما عن تحقيق أي نجاح في مسعاهما للخروج من المطبّات التي أوقعا نفسيهما فيها. أما بالنسبة لأولئك الذين يظنّون أن «جيب» إنسان «ذكي»، ويمكن أن يصبح رئيساً، فقد أثبت لهم أداؤه الانتخابي حتى الآن أنه مخيب للآمال. وكان يتعثّر بشكل واضح عندما توجه إليه الأسئلة إن كانت صعبة أو بسيطة. وشعر مؤيدوه بالإحباط بسبب فشله المتكرر في إيجاد الأجوبة السريعة والجاهزة للأسئلة المتعلقة بدوره في حرب العراق. وكان أخوه (جورج) هو الذي أشعل تلك الحرب قبل 12 عاماً فكانت واحدة من أسوأ تدخلات وأحداث السياسة الخارجية لهذا القرن. ولا شك أن هيلاري كلينتون مؤهلة بشكل جيد لأن تصبح رئيسة. وتتميز شخصيتها بالصلابة والتنظيم، وهي تفهم بشكل جيد العلاقة التي تربط بين «السياسة العامة» و«السياسات» التي تخدمها، إلا أن أداءها الانتخابي أظهر حتى الآن أنه مثير للقلق لمؤيديها. --------- رئيس المركز العربي الأميركي- واشنطن