تلفيق تنظيم «داعش» وفبركته لما يقول إنها مبررات ومسوغات دينية لجرائم الاغتصاب الممنهجة والمستمرة التي يقوم بها في حق النساء الإيزيديات والمسيحيات ونساء آخريات أمر فظيع ومروع. غير أنه إذا كنا نعلم أن التنظيم وحليفته «بوكو حرام» يعاملان النساء بشكل خاص بقمع ووحشية، فإن رفع هذه الممارسات إلى مستوى الواجب الديني هو تشويه سافر للدين ما بعده تشويه. وللأسف، فإن هذا ليس بالأمر الجديد. فهو يذكّرنا بالحملة الصليبية الرابعة، التي كان مقاتلوها يعتبرون قضيتهم جد مقدسة لدرجة تبرر الاغتصاب الممنهج للنساء (ومعظمهن مسيحيات) اللاتي يصادفوهن في المدن على طول الطريق إلى «الأرض المقدسة». ويذكّرنا كذلك، في زمننا هذا، بجيش الرب في أوغندا الذي يقدم مسوغات مماثلة. والواقع أن جرائم الاغتصاب التي يرتكبها ويبررها تنظيم داعش على أساس ديني إنما تمثل تحريفاً وتشويها لتعاليم الرسول بقدر ما كانت مبررات ومسوغات الصليبيين المعوجة خيانةً لتعاليم المسيح. ولا شك أن المسلمين المتدينيين يصابون بالصدمة اليوم جراء الأفعال التي يقوم بها «داعش» تماماً مثلما قام المسيحيون عموماً بمحو الحملة الصليبية الرابعة من ذاكرتهم الجماعية اليوم. بيد أنه بدلاً من التعامل مع هذه الفظاعات كأعمال شاذة غريبة، علينا أن نفهم ما يحرّكها إذا نحن كنا نريد هزمها. فهذه الفظاعات تعود في جزء كبير منها إلى ازدراء للنساء وحط من قدرهن حتى في الأنظمة «المعتدلة». وهذا الأمر يجعل الرجال لا يشعرون بمعاناة النساء ويحرم النساء من الأدوات الاجتماعية والسياسية للدفاع عن أنفسهن. غير أن السبب الآخر هو مقاربة متحجرة وغير منطقية للدين. فبدلاً من فصل «المعتدلين» عن «المتطرفين»، علينا أن نولي اهتماما أكبر بكثير للاختلاف بين المحدثين والتقليديين - وللأشخاص الذين يشاطروننا قيمنا الديمقراطية (ومن ذلك احترام إنسانية المرأة) والأشخاص الذين لا يشاطروننا إياها. أما مقاربتنا الحالية، فهي ليست سوى فوضى لا يرجى منها خير أو فائدة. اليأس وانعدام الأمل هو الوقود الذي يجعل ظهور القاعدة وداعش وجماعات منحرفة أخرى ممكنا. ذلك أن الشباب العاطل عن العمل وانسداد الأفق يوفران أهدافاً سهلة للمجنٍّدين الذين يقدّمون للشباب المغرر بهم أكباش فداء مغرية مثل الغرب أو غير المسلمين أو النساء. وغني عن البيان أن الشباب اليائس الذي فقد الأمل في قدرته على إعالة عائلة يمثّل أهدافا بديهية للمسوغات الدينية الباطلة للاغتصاب. ديفيد سوبر أستاذ القانون بجامعة «جورج تاون» الأميركية ينشر برتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»