تحاول العديد من دول العالم النامي الحليفة للولايات المتحدة الأميركية في مشارق المعمورة ومغاربها أن توصل صوتها إليها في العديد من الحالات التي تكون فيها الولايات المتحدة في أمس الحاجة إلى الاستماع إلى ذلك الصوت، الذي عادة ما يكون في شكل نصائح ومشورة وإنارة للطريق، تسعى الدول المعنية، ومنها دول مجلس التعاون الخليجي، أن توصلها إلى شريكها وحليفها الأكبر بشأن قضايا ومواضيع محددة تخص دولهم أو مناطقهم، لكن الملاحظ أن ساسة الولايات المتحدة الكبار لا يولون مثل تلك النصائح والمشورة أي اهتمام، وربما يتجاهلونها تماماً، مثلما حدث بالنسبة لملف إيران النووي على سبيل المثال، اعتقاداً منهم بأن مثل هذه الدول ليست مؤهلة لتقديم النصيحة إلى القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم. وطالما أن الولايات المتحدة مستمرة في عدم الاستماع فإن حساسية الأوضاع في الخليج العربي ستستمر، لذلك فإن المطلوب منها هو أن تستمر في الحوار الهادف معهم، وأن تكون ذات مصداقية على المدى البعيد في الحفاظ على مصالحها ومصالح دول المجلس، وليس لكي تحقق مكاسب آنية أو مرحلية فقط. إن عدم استماع الولايات المتحدة حتم على دول المجلس أن تبحث لنفسها عن مخارج وخيارات جديدة للدفاع عن نفسها وتحقيق مصالحها بالصورة المثلى التي تراها مناسبة، وفي جميع الأحوال، الأمر الأكثر احتمالاً هو أن لا تقوم الولايات المتحدة بممارسة ضغوط قوية على دول المجلس لأنها قررت من ذات نفسها القيام بذلك، ومن جانب ارتأت دول المجلس بأن يتوجب عليها الإسهام في تنمية دول المنطقة الأخرى لكي يكون لها دور حيوي في استقرار الأوضاع فيها خاصة اليمن لأن ذلك يصب في مصلحتها في نهاية المطاف. إن الوقت يجري بسرعة والأحداث تتلاحق، بحيث إن المرحلة القادمة باتت تحتم بأن تقوم دول المجلس بتقرير سياساتها الخاصة تجاه أحداث الخليج العربي فيما يصب في مصالحها. وإذا شاءت دول المجلس أن يكون لها نفوذ على تصرفات جيرانها العدائية، فمن الضروري لها أن تُعطي معاني جديدة للمصطلحات المستخدمة حالياً ك«التحالف الاستراتيجي الخليجي - الأميركي»، وقد يبدو ذلك صعباً لأنه سيعني الحديث مع الولايات المتحدة حول سياساتها في المنطقة قبل أن يتم اتخاذ قرارات نهائية بشأنها، وأن التساؤلات حول سياساتها ليست مجردة ودون أهداف حقيقية لجعلها تستمع إليهم، وربما التأثير عليهم من قبل الإجابات التي تقدمها إليهم. وربما أن العنوان الأكثر فائدة الذي يجب مناقشته هو المستقبل الخاص بالترتيبات التي يتم التوصل إليها في الخليج العربي، وكيف يمكن للولايات المتحدة أن تعمل مع دول المجلس وعبرها، وكيف يمكن لها المساعدة على إزالة القلق والمخاوف التي تساعد قادة وشعوب المجلس. وبالتأكيد أنه إذا قامت الولايات المتحدة من جانبها بلعب دور الحليف الحقيقي تجاه دول المجلس، أن تتوقع قيام هذه الأخيرة بالدور نفسه، لأنها دائماً ما تكون صادقة في مواقفها وممارساتها ونواياها. وفي الوقت الذي يمكن فيه لدول المجلس القيام بمحاولات لفهم مشاكل الولايات المتحدة الداخلية والخارجية، يمكن لهم أيضاً سؤالها القيام بعمل ومحاولات مشابهة ومساوية لما يقومون به هم لكي يفهم الشعب الأميركي والكونجرس والإدارة الأميركية مشاكلهم، خاصة المتعلق فيها بالأمن والعلاقة مع إيران والحقوق التجارية المتساوية للمستثمرين الخليجيين واهتماماتهم في داخل الولايات المتحدة، وتلك الممنوحة للأميركيين في دول المجلس، وفوق كل ذلك على دول المجلس أن تعترف بحقيقة أنه يمكنها في أحسن الحالات إقناع الولايات المتحدة بأنها لا تستطيع فرض شروط العلاقة معها. نحن على يقين، أو على الأقل مقتنعين بأن قادة دول المجلس يهتمون كثيراً بعلاقات دولهم مع الولايات المتحدة، وهم يفهمون ذلك ويعونه جيداً، لكنهم لا يحصلون دائماً على الفرص التي يحتاجون إليها من قبل ساسة الولايات المتحدة الذين عادة ما تكون لديهم نظرتهم الخاصة تجاه شعوب دول العالم النامي في العموم. بعد الاتفاق الأخير مع إيران حول ملفها النووي تحتاج دول المجلس إلى فتح ملفات مهمة للحديث حولها مع الولايات المتحدة بالتفصيل خاصة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي والموقف من جماعة "الإخوان المسلمين"، وما يحدث في العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها، ثم بعد ذلك محاولة التيقن فيما إذا كان من الممكن العمل لإخراج سياسات توافقية معها تخدم مصالح الطرفين، فهل الساسة الأميركيون على استعداد للاستماع؟