محمد حامد الأنصاري نائب رئيس الهند شخصية تحظى باحترام كبير بين الأكاديميين والمثقفي، وهو دبلوماسي هندي سابق سُمعتُه لا تشوبها الشوائب وعالم هندي ذو شخصية بارزة تميز في خدمة البلاد في كثير من المناصب، وفي إحدى فعاليات «المركز الثقافي الإسلامي الهندي» في نيودلهي، الأسبوع الماضي، ألقى «الأنصاري» الضوء على الحاجة إلى عمل إيجابي لمسلمي الهند، وفي إشارة إلى شعار حكومة «مودي»، وهو «معاً مع الكل والتنمية للجميع»، أكد الأنصاري أن العمل الإيجابي ضروري ليتحقق برنامج الحكومة في النمو الذي يشمل الجميع. ويعتقد «الأنصاري» أن «الإستراتيجيات التصحيحية» ضرورية لمسلمي الهند الذين يحصلون على مساعدات قليلة في الحصول على وظائف حكومية، أو القبول في المعاهد التعليمية. وأشار أيضاً إلى أن القراءة العامة لتقارير المسؤولين توضح أن المشاكل الأساسية التي يواجهها مسلمو الهند تتعلق بالهوية والأمن والتعليم والتوظيف ونصيب عادل من خيرات الدولة والمشاركة في اتخاذ القرار. لكن تصريحات السيد «الأنصاري» النزيهة جلبت عليه غضب بعض أفراد الجناح اليميني «الهندوسي»، الذين هاجموه وطالبوه بسحب تصريحاته باعتباره نائب رئيس البلاد يجب أن ينأى عن أي تعليقات سياسية، لكن ما فعلته تصريحات نائب رئيس الهند الذي تعرض لهجوم من أفراد «اليمين» المتطرف في الماضي أيضاً دون وجه حق إلى حد كبير، هو أنها فتحت المجال لجدل فكري ضروري للغاية بشأن واقع مسلمي الهند والحاجة إلى عمل إيجابي ربما يكون تخصيص وظائف وأماكن لهم في المعاهد التعليمية. والهند بها نحو 200 مليون مسلم لتكون ثاني دولة بها أكبر عدد من المسلمين بعد إندونيسيا. لكن مسلمي الهند متخلفون في مضمار التنمية، ويحتلون مراتب متخلفة في معظم المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية، ويواجهون التمييز مثل طوائف المنبوذين المهمشة أيضاً. وفي عام 2005، شكلت حكومة حزب «المؤتمر» بزعامة رئيس الوزراء السابق مانموهان سينج لجنة رأسها القاضي «ساتشار» لإعداد تقرير عن أحدث التطورات في الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية لمسلمي الهند لمعرفة مدى تطور أوضاعهم، وتوصلت هذه اللجنة في تقريرها إلى أن أحوال المسلمين إجمالاً أسوأ من طوائف مهمشة أخرى، ويحتلون قاع التراتب الاجتماعي. وتوصلت اللجنة أيضاً إلى أن مستويات القدرة على القراءة والكتابة وسط المسلمين أقل من المستوى القومي العام وأن نسبة تمثيلهم في الوظائف الحكومية منخفض ونصيبهم في الجامعات والمدارس منخفض وتمثيلهم غير مناسب لا في السياسة ولا في الجيش ولا في الشرطة. ورغم أن العقد الماضي شهد تحسنات وسط الطوائف الأخرى، لم يشهد نصيب المسلمين في الوظائف الحكومية والمدارس أو الجامعات تحسناً. وعلى سبيل المثال، لا يوجد في البرلمان الحالي إلا 22 عضواً مسلماً من 570 عضواً، وهو تمثيل هزيل لمسلمي الهند. ورغم أن الحكومة خصصت أموالاً للطائفة المسلمة وطبقت برامج، فحتى الحكومة السابقة التي كان يتزعمها حزب «المؤتمر»، الذي يعتبر نفسه دوماً حامياً لحقوق الأقليات، لم تستطع أن تحسن حياة غالبية المسلمين. وفي عام 2007، أوصت اللجنة القومية للأقليات اللغوية والدينية أنه يجب تخصيص 10 في المئة على الأقل من الوظائف والقبول بالجامعات للمسلمين كجزء من «العمل الإيجابي» لمساعدة الطائفة في اللحاق بالطوائف الأخرى في البلاد، ومسلمو الهند قلقون أيضاً من صعود الجناح اليميني الهندوسي الذي تزايد جرأة بعد وصول حكومة حزب جاناتا بهاراتيا إلى الحكم بزعامة ناريندرا مودي. والأهم من هذا أن الأنصاري أشار إلى أنه يتعين على المسلمين أيضا أن ينتقدوا أنفسهم أن يبذلوا جهودا ذاتية للتعرف على مواطن ضعفهم وتحداهم بشأن ما فعلوه لمعالجة التخلف والفقر «الناتج عن ضعف التنمية التعليمية والاجتماعية الاقتصادية»، وركز الأنصاري بهذه الأفكار النزيهة والسديدة الأنظار على قضية مهمة ويجب على الحكومة أن تلتفت إلى هذه الأفكار. وهناك شك في أن تنظر حكومة «مودي» جدياً إلى هذا الجدل الذي أثاره الأنصاري، وأن تقدم حلولاً لتعزيز المكانة الاقتصادية والاجتماعية للهنود المسلمين، وهذا سيكون اختباراً لـ«مودي» الذي وعد بتقديم التعليم والوظائف للمسلمين، وخاصة النساء كجزء من قائمة أولوياته الخاصة بالتنمية للجميع، ولا تستطيع الهند على أي حال أن تصبح قوة عظمى إذا تخلفت أقلياتها والمهمشون فيها. فمن الواجب الملزم أن تعمل حكومة «مودي» على النهوض بالأقليات. مدير مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي