لعل أصعب أمر هو مسايسة الجار الذي لا يمكن زحزحته من موقعه الجغرافي، ففي الخليج لا يمكن تجاهل إيران عن هذه الكيفية، فهذا الجار المشاغب صار متعدد الأغراض، لأن لديه مشروعاً منذ «الثورة» وتغيير النظام المدني إلى «ثوري» حتى النخاع يريد تصدير هذه «البضاعة» المزجاة.. إلى بقية الشعوب «المستضعفة» وفق التعبير الإيراني للمستضعفين في الأرض! وأكثر من ذلك أن إيران تعتبر هذا جزءاً من واجباتها القومية المطعمة بالإسلام «الأثنى عشري» وليس ما ورد ذكره لدى المولى عز وجل «إن الدين عند الله الإسلام» حيث أرغمت المذهب دستورياً على أن يصبح ديناً أوحد للتعبد والتدخل في شؤون الآخرين من الجيران الذين لم تتحول إيران من جارة لهم مساعدة ومطبقة لشروط الجيرة، بل إلى جارة تساهم بمذهبيتها الطائفية في تأجيج الفتن التي نحن في غنى عنها بعد أن تخلصت منها شعوب العالم المتقدم منذ قرون، فلمَ تريد إيران إعادة عقارب الساعة وإيقافها عند لحظة رفع «السيف والمصحف» في آنٍ لتطبيق ما يراد به باطل باسم الحق؟! نريد من إيران حقاً ونحن الجار بالجنب وليس غيرنا، وأن تلتف إلى ذاتها وداخلها وتعيد ترتيب أوراقها وليس قلب أوراقها على الآخرين المسالمين من دول الجوار وغيرها. إيران بعد الاتفاق النووي عليها أن تنظر إلى العالم الخارجي بمنظار المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين مختلف شعوب الأرض وليس من لديه حق الجيرة الحقة فقط، حتى طفح الكيل بالسيستاني بمطالبته الخامنئي شخصياً بتخفيف النفوذ الإيراني في العراق، وهذا ما لم يحدث مطلقاً منذ حلول الأزمة على الشعب العراقي الذي بحاجة ماسة إلى قطرة أمن واستقرار قبل قطرة الماء والدواء. وتؤكد هذا النفوذ السلبي لإيران العمليات الأخيرة بالكويت التي أحدثت صدمات سياسية أكبر من الصدمات الكهربائية، عندما قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الكويتي إن إيران هي «العدو الحقيقي» لدول الخليج العربية، وتسعى إلى إشاعة الفوضى وتقويض أنظمة الحكم، وأكد أن التفجير الإرهابي في البحرين مشهد آخر يدلل على عدوان إيران وتسلطها على منطقة الخليج العربي. إن هذه النبرة الصارخة والعالية من قبل المعنيين بالكويت لم تأتِ من فراغ، وإنما لها دلائل في ثنايا المجتمع الذي يصحو على اكتشاف خلايا نائمة مع أسلحتها والمتهم في كل عملية هي إيران بالدرجة الأولى، هذا على المستوى الشعبي، أما على المستوى الرسمي أو الحكومي فقد أكد مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الكويتية أنه سيتم استدعاء السفير الإيراني في البلاد، في حال ثبوت ضلوع دبلوماسيين إيرانيين في «خلية العبدلي»، مضيفاً أن الأحداث المتلاحقة تستدعي ضرورة تيقظ الشعب بالتماسك داخلياً، وألا يلتفت إلى من يحاولون تمزيق وحدة الصف وإثارة الفوضى، مشدداً على أن الظروف التي تعيشها البلاد والمنطقة تستدعي النظر والبت في الاتفاقية الأمنية الخليجية، و«دورنا كوزارة خارجية تأكيد أن هذه الاتفاقية ضرورة ملحة»، هذا وقد سلمت وزارة الخارجية الكويتية ردها على مذكرة السفارة الإيرانية بشأن «خلية العبدلي». نقول بعد كل هذا، أليس لدى إيران شيء نافع تصدره للجيران غير «ثورة» طائفية تقلب من خلالها معادلات السياسة الخارجية المعروفة بين الدول الصديقة والشقيقة. إننا أمام إيران الدولة التي ترفض أن تعيش مع مَن حولها كبقية شعوب الأرض آمنة مطمئنة، بدل الحذر المتواصل من قلب ظهر المجن على أقرب الناس إليها ديناً وتاريخاً، متى تضع إيران طائفية المذهب خلف ظهرها وتقبل بالسلام مع نفسها ومن ثم مع جيرانها المسالمين أصلاً؟