لا يدرك كثيرون حقيقة أن لدغات الثعابين تصنف ضمن قضايا الصحة العامة المهمة، على الرغم من أن التقديرات تشير إلى تعرض ما بين 1.2 إلى 5.5 مليون شخص سنوياً لعضات ولدغات الثعابين. ومن بين ملايين اللدغات تلك، يقدر أن ما بين 420 ألفا إلى 2.5 مليون، هي لدغات لأفاعي سامة، ينتج عنها وفاة 20 ألف شخص سنوياً حسب أقل التقديرات، وربما حتى أكثر من 125 ألف وفاة، حسب أكثر التقديرات تشائماً. ويأتي هذا التباين في التقديرات الخاصة بعدد لدغات الثعابين السنوية التي يتعرض لها البشر، وعدد الوفيات الناتجة عنها، بسبب أن في معظم دول العالم، لا تصنف لدغات الثعابين ضمن الحالات الطبية، التي من الإجباري الإبلاغ عنها للجهات الصحية الرسمية. وبخلاف الوفيات التي تنتج عن لدغات الأفاعي، يتعرض جزء كبير من الناجين – نصف مليون سنوياً في بعض التقديرات- لتلف شديد في الأنسجة المحيطة بمكان العضة، وهو ما قد يؤدي إلى تشوهات عميقة في الجلد والعضلات، وربما حتى فقدان الذراع أو الساق، بسبب انتشار الغرغرينا فيه، والاضطرار إلى بتر الطرف المصاب بالكامل –آلاف الحالات سنوياً- وهو ما ينتج عنه إعاقات وتشوهات بدرجات متباينة، تصاحب المصاب مدى العمر. ومؤخراً عادت لدائرة الضوء، مشكلة لدغات الأفاعي، كقضية صحية دولية مهمة، مع الإعلان عن عقد مؤتمر للعلماء والخبراء المتخصصين في هذا المجال، خلال الأسبوع الجاري في سويسرا، على خلفية إعلان منظمة "أطباء بلا حدود"، عن أن المخزون العالمي من ترياق خاص (Fav-Afrique) مضاد لسموم الأفاعي، ستنتهي صلاحيته في شهر يونيو القادم، دون أن تكون هناك خطط لإحلاله أو تجديده. وهو ما يعني أنه بداية من الصيف القادم، قد يلقى عشرات الآلاف حتفهم، بسبب عدم توفر هذا الترياق إذا ما تعرضوا للدغة ثعبان. ونتجت هذه المشكلة من جراء توقف شركة "سانوفي باستير" عن إنتاج المزيد من جرعات هذا الترياق. ويتميز هذا الترياق بفعاليته ضد سموم عشرة أنواع مختلفة من الأفاعي، وهو ما جعله الأكثر استخداما في العديد من دول العالم، كون العديد من ضحايا لدغات الثعابين، لا يمكنهم تمييز نوع الثعبان الذي هاجمهم، ولذا يلجأ الأطباء لاستخدام هذا الترياق الخاص، الواسع المدى، والفعال ضد أنواع عديدة من الثعابين. ويعود السبب في توقف الشركة عن إنتاج وتصنيع هذا الترياق الفعال، إلى ارتفاع تكلفة إنتاجه. حيث يتطلب إنتاج مضادات السموم، حصد السم من الأفاعي، ثم حقنه في أجسام الخيل، والتي يقوم جهاز المناعة فيها بإنتاج أجسام مضادة، تحصد هي الأخرى من دماء الخيل، وتستخدم لتصنيع الترياق. وعند تعرض شخص ما للدغة ثعبان، يحقن بهذه الأجسام المضادة أو الترياق، والذي يبطل عمل السم. ولكن في ظل حقيقة أن الغالبية العظمى من لدغات الثعابين، تقع في الدول النامية والفقيرة، مثل الدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء، ودول جنوب آسيا، ودول جنوب شرق آسيا، مثل الهند، والتي تسجل أعلى معدلات من الوفيات في العالم من جراء لدغات الثعابين، لا يستطيع غالبية سكان هذه الدول، أو نظم الرعاية الصحية بها، تحمل التكلفة المرتفعة للترياق السابق الذكر، وهو ما جعله منتج غير مربح للشركة المصنعة، ودفعها للتوقف عن إنتاجه. ورغم توفر أنواع أخرى من مضادات سموم الأفاعي حالياً، إلا أنها حسب منظمة "أطباء بلا حدود"، لا تتمتع بنفس درجة الأمان والفعالية التي يتميز بها الترياق المذكور. وحتى عندما أعلنت شركة "سانوفي باستير" عن استعدادها لتوفير الدعم الفني، والخبرة، عن كيفية وخطوات إنتاج هذا الترياق، مجانا ودون أية مقابل، لا يتوقع أن يتم الانتهاء من المفاوضات مع الشركات الأخرى حول كيفية الاستفادة من هذا العرض، قبل نهاية العام القادم، ومن ثم لن يبدأ إنتاج الترياق مرة أخرى، إلا بعد عامين من انتهاء صلاحية المخزون الحالي، وهي الفترة الزمنية التي يتوقع أن يلقى عشرات الآلاف حتفهم خلالها. وجدير بالذكر أن بعض التقديرات تشير إلى تعرض أكثر من 80 ألف شخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للدغات الأفاعي السامة سنوياً، ويرتفع هذا العدد إلى 420 ألفاً في دول أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء، يلقى 30 ألفاً منهم حتفهم، ويضطر الأطباء إلى بتر أطراف 8 آلاف منهم، بسبب الضرر الشديد وتلف الأنسجة الناتج عن السم.