لندع التاريخ جانباً، فعدا عن عدم اليقين التام بوقائعه، فإنه يصعب معرفة سياقات تلك الوقائع بدقة، ولنعد إلى الوراء سبعين أو ثمانين سنة الماضية التي تم تسجيل أحداثها بشكل واضح، ولنسأل أنفسنا: هل ثمة تحولات دينية أو مذهبية لأعداد كبيرة من الناس؟! أعتقد أن الجميع يمتلك الإجابة، فليست هناك تحولات كبيرة أو صغيرة، وإنما أشخاص من هنا وهناك، وقلة قليلة لا يمكن حتى احتساب نسبتها، على الرغم من أن مليارات من البشر كانوا يملكون الوسائل الكافية للاطلاع على ديانات ومذاهب الآخرين، وكان يمكن لهم أن يتواصلوا مع القائمين على أمور تلك الأديان والمذاهب، لكنهم لم يفعلوا شيئاً من ذلك بكل بساطة، أو فعلوا لكن لم يتغيّر فيهم شيء. هل كانت اللغة عائقاً مثلاً؟! الثقافة؟! الحضارة؟! ولم كان التحول الديني أو المذهبي في وسط أمة العرب نادراً ندرة الأمطار في الصحراء، رغم أنهم يتشاركون في كل شيء إلا دياناتهم ومذاهبهم، ويتعرض الجميع لحملات التبشير بالدين أو المذهب، والدعاية لهما، ليلاً ونهاراً. نحن هنا نتحدث عن عشرات المليارات من البشر الذين مرّوا على هذه الأرض خلال العقود الأخيرة، وورثوا دياناتهم عن آبائهم كما ورثوا منهم الدور والسجاجيد والسيارات والكمبيوترات، وكانوا على عكس من سبقوهم، أكثر تواصلاً فيما بينهم، كما أن حرية تغيير الديانة كانت مكفولة للغالبية منهم، لكنهم لم يغيّروا ما تلقفوه في صغرهم في بيوتهم ومدارسهم وبيئاتهم وفضاءاتهم، إلا الذين تركوا مسألة الأديان تماماً. هذا الفهم لمسألة ندرة التحولات، ندرةً هي أقرب إلى العدم، من شأنه تخفيف حدة الرفض غير المبرر للمختلفين عنا، والتوقف عن الاعتقاد بأن من يبقى على رأيه، إنما يفعل ذلك عناداً ومكابرة، وأنه يمسك بالقلم كل ليلة ليضع إمضاءه على ورقة التحول، لكن شيطان هواه أو مصلحته يمنعانه من ذلك. وهكذا بالنسبة للقائمين على أمور الأديان والمذاهب والذين يجزم بعضنا بأن بريق المراتب الدينية يمنعهم من قول الحقيقة، وأنهم يتعمدون البقاء في الضلال وتضليل أتباعهم، إذ لا يمكن أن يكونوا كلهم كذبة ومتواطئين على التغطية على ما نعتقد أنه الحق. كل ما هنالك أننا نتصوّر أن للعنب اسماً واحداً، ونتعجب حين نرى من يشير إلى العنب ويطلق عليه اسماً آخر، ويكون موقفنا منه إما الكراهية والمعاداة لأنه يعاند في أوضح الواضحات بالنسبة لنا، وهو أمر غير واضح أبداً بالنسبة له، وإما الإشفاق عليه ومحاولة توضيح اللبس الذي وقع به حين أطلق على العنب اسماً خاطئاً حسب وجهة نظرنا، من دون أن يخطر ببالنا أن الاسم صحيح في نظره مئة في المئة. ولجلال الدين الرومي حكاية عن أربعة فقراء يتحدثون لغات مختلفة كانوا يفترشون الطريق حين مرّ بهم رجل محسنٌ وأعطاهم درهماً واحداً، وأخذ كل واحد منهم يردّد‏? ?اسم? ?الشيء? ?الذي? ?يرغب? ?في? ?شرائه? ?بذلك? ?الدرهم، ? ?حتى? ?علت? ?أصواتهم? ?ونشب? ?الخلاف? ?فيما? ?بينهم، ? ?حين? ?أقبل? ?رجل? ?حكيم? ?وأخذ? ?منهم? ?الدرهم? ?واشترى? ?به? ?عنقود? ?عنب? ?ووضعه? ?أمامهم، ? ?فقد? ?كان? ?الجميع? ?يطلب? ?العنب? ?لكن? ?بأسماء? ?مختلفة.?