في معمعة الصراعات القائمة في العالم، خصوصاً في الشرق الأوسط، ومن ضمنه العالم العربي عموماً، تظهر كتابات في مختلف الحقول الكتابية وتحديداً منها ما يتصل بواقع الحال الراهن، قد يقف المرء أمامها موقفاً نقدياً يتصل بها مضموناً وتعبيراً إصلاحياً ولغوياً. وهذا وارد بل محتمل كثيراً، خصوصاً مع عملية التدفق في المشكلات المعرفية، كما في الخطاب السياسي الأيديولوجي في العالم العربي الراهن. وينبغي الإضافة بأن ذلك راح يخرج من الحدود العربية، ليعمّ العالم أجمع تقريباً. وفي مثل هذه الحال، يتعين على الباحثين والمهتمين، في هذا الحقل، أن يشتغلوا عليه في ضوء البحث العلمي باللغة الوطنية، كما على صعيد الترجمات من اللغات المختلفة. وهذا العمل، بشقيه المذكورين، يكتسي أهمية خاصة في التأسيس لخطاب سياسي كما لخطاب ديني وآخر فكري وغيره. وسنتناول الآن مثالاً حياً مما يُطرح في السوق العربية المُسوقة لتلك النماذج من الخطاب العربي الراهن، ولما كان الخطاب الديني هو الأكثر حضوراً وإشكالية وربما إنتاجاً معقداً وذا حساسية بالغة، فقد كان مهماً أن ندقق فيما تبثه خصوصاً بعض قنوات التلفزة العربية، انطلاقاً من أن هذه الأخيرة تدخل في حقل الإعلام المشاهد والسمعي، وهو الأكثر وصولاً للناس وتأثيراً فيهم من موقع مقولة «الإعلام الجماهيري الجمْعي»، أما المثال المناسب ها هنا فهو مأخوذ مما بثته قناة عربية على لسان أحد الإعلاميين، فلهذا الإعلامي قول يُبث في مناسبات متعددة وربما في أوقات مختلفة، هو التالي: الفكر الإرهابي لا يواجه إلا بالفكر. وفي مناقشة ذلك القول يظن أنه يأتي رداً على أقوال كتّاب يؤكدون على أن لذلك الفكر وإنتاجه -أي الإرهاب- هنالك حاضنة ينشأ فيها ويتبلور ويتعاظم خطره، وقد يتحول إلى قوة تدمر الأخضر واليابس. والحق أن ذلك ليس خطأ، وإنما الخطأ الخطير يقع في النظر إلى تلك الحاضنة على أنها ذات مرجعيات اقتصادية وسياسية واجتماعية وطائفية فحسب، دون النظر إلى مرجعية حاضنة الإرهاب، تلك على أنها هي وحدها العامل الوحيد في إنتاجه، بل أحياناً قد تنشأ حالات فظيعة من الفقر والإفقار والإذلال والضنك والجوع، تُسوّغ وتُشرْعن بخطاب أيديولوجي فاقع يقدم على أنه إملاء ديني لا يأتيه الشك، وفعلاً في هذه الحال، قد تكون تلك العوامل أسباباً مباشرة لنشوء الإرهاب بزعم كونه عاملاً لاستعادة الحقوق المهدورة! وهذا ما نلاحظه لدى فئات رثّة، في تلك الحال المعقدة والمباشرة في إذلالها للبشر. قد نقول بـ«خاضنة للإرهاب» في الحال المذكورة، ولذلك، نرى أنه لا يصح القول بأن تجاوز الإرهاب المتولّد عن الحاضنة المذكورة للإرهاب، لا يتم إلا بمواجهة فكرية له، من حيث الأساس، إن القول المحتمل ها هنا يسلك طريقاً آخر، هو: أن تفكيك الحالة المعقدة والمباشرة في إذلالها للبشر هو الحافز الأول والأعظم لمواجهة المطالبة بتجاوز ذلك والعمل على هذا المجال، أولاً، ومن ناحية ثانية، إن العيش في أجواء الفقر المدقع والحركان قد يؤسس للمطالبة إياها وللتغرير ببعض اليائسين، إذ تتمثل هذه المطالبة العملية على أفكار ضابطة لها بحدود أولية من الشعور بالقهر والمذلة والاستغلال، دون اشتراط ذلك بأفكار تنظيرية ذات مرجعية ثقافية متخصصة. ومن هنا، فإن مواجهة الإرهاب تحتاج الأمْرين كليهما، الأول المتمثل بوعي مطلبي مباشر يتصل بالخبرة والعمل ومواجهة القهر، وهذا يمتلك احتمال تحقيق هذه المطالب، دون امتلاك وعي نظري بها، والثاني الذي يبنى على الأول بالتأكيد على أن الوعي لا يأتي في المدارس فحسب، بل يتكون أولياً في سياق العمل، وهذا لا يقتصر على النخبة وإنما يقتضي مشاركة العامة في إنتاج الوعي في الممارسة الحية، وهذا يوسع دائرة الصراع بين الاعتدال والوسطية وبين الاستبداد والاستئثار بالرأي وبغيره.