خلال اجتماع ضمّ المسؤولين الأميركيين المتخصصين في مكافحة الإرهاب ورجال الصحافة في «كابيتول هيل»، كثيراً ما كان البعض يسألني عن الأسباب التي جعلت موقع «تويتر» يمثل القوة المحركة للدعوة «الجهادية» العالمية، وما الذي يمكننا فعله للتصدي لهذه المشكلة، وهل في مقدورنا منع «داعش» وغيره من الجماعات الإرهابية الأخرى من الاستفادة من خدمات مواقع إنترنت مثل «تويتر»، أم أن الوقت قد بات متأخراً على نجاح هذه المهمة؟ والجواب واضح: هناك نموذج جاهز للعمل في هذا الاتجاه، فقد نجح موقع «فيسبوك» بشكل فعّال في منع تلك الفصائل الإرهابية من ارتياد منصّته خلال الأشهر القليلة الماضية. وخلال فترة تمتد لأكثر من عقد كامل، كان «معهد الشرق الأوسط للبحوث الإعلامية» يكرّس كل أيام عمله لمراقبة وترجمة وتحليل النشاطات التي تمارسها التنظيمات الإرهابية على شبكة الإنترنت. وقد شكلت مجموعة «النصوص الجهادية المترجمة» الأرشيف الأمني الأكثر أهمية منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية، لأنها وُضعت في خدمة الحكومات الغربية والمؤسسات الأكاديمية والصحافة وعامة الناس. وقد تحقق هذا الإنجاز المهم بالتعاون بين الناطقين بلغات متعددة والباحثين المتوزعين حول العالم الذين كانوا يتبادلون المشاهدات والملاحظات والاستنتاجات حول النشاطات اليومية لتلك الفصائل، والتعرف على أهدافها ومراميها. وفي كل يوم، كنا نتعقّب مئات الاتصالات لمنتسبي تنظيمي «القاعدة» و«داعش» ونشاطات بقية التنظيمات الإرهابية عبر الإنترنت ومن خلال منصّات إلكترونية أخرى مثل: تويتر، ويوتيوب، وذي إنترنت أرشيف، وتامبلر، وإنستغرام. وفي شهر سبتمبر 2008، أصبح موقع «فيسبوك» يمثل منصة اجتماعية جديدة سارع الإرهابيون للاستفادة من خدماتها. وعقب إغلاق المنتديات والزوايا التي كانت تستخدمها تلك الجماعات، وجدت أن «فيسبوك» هو البديل المناسب. وقد تمكنت جماعات إرهابية مختلفة من مفاقمة خطرها عن طريق «فيسبوك»، ومنها: تنظيم «القاعدة» الإرهابي وتوابعه، في الصومال «حركة الشباب»، وفي سوريا «جبهة النصرة»، وفي اليمن «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، وفي أفغانستان «طالبان»، وفي العراق وسوريا «داعش»، وبقية الفصائل والتنظيمات الإرهابية. وفي أيامنا هذه، أصبحت متابعة التقارير اليومية لنشاطات الإرهابيين على «فيسبوك» أقل أهمية بالنسبة لفريقنا في المعهد، ليس لأن تلك النشاطات اختفت تماماً عن صفحاته، بل لأنها أصبحت تافهة وغير مجدية. وعندما يعمد «جهادي مزعوم» إلى افتتاح حساب جديد له، سرعان ما يزيله موقع «فيسبوك» تماماً. ولن يمثل هذا الإنجاز الكبير الذي انفرد به «فيسبوك» مفاجأة إذا علمنا أنه يندرج في إطار السياسة التي تتبعها الشركة صاحبة الموقع، وتساعدها في تنفيذها فرق تنتشر في مختلف أنحاء العالم. وفي شهر سبتمبر الماضي، أوضح الناطق باسم الموقع «أندرو سافول» هذه السياسة حيث قال: «نحن نحرص على عدم السماح للجماعات الإرهابية مثل داعش، باستخدام موقعنا، ولا نترك أية فرصة لأي شخص أو مجموعة من الناس لبثّ الدعوات الإرهابية، أو تنزيل الصور والأشكال التي تخدم الأهداف الساديّة». وعلى نحو مشابه، وعدت الشركة التي تدير موقع «تويتر» بإزالة «المحتوى الجهادي» من منصّتها الإلكترونية، إلا أنها سجلت فشلاً ذريعاً في هذا المسعى على رغم محاولاتها المتكررة لإنجاحه. وما زالت الفصائل الإرهابية مثل «داعش»، تستخدمه كمنصة تحقق عن طريقها الكثير من أهدافها. وعندما كان خبراء «تويتر» يعمدون لإلغاء حسابات جهاديين، فلقد كان هؤلاء يفتتحون حسابات تحت مسميات أخرى على المنصة ذاتها. وكثيراً ما يعبر هؤلاء «العائدون» عن سعادتهم بالانتصار على محاولات الموقع لحجب حساباتهم. وقد اكتشف خبراء أن أحد «الجهاديين» تعرض لإلغاء حسابه 100 مرة، ولكنه كان يعيد فتح حساب جديد في كل مرة أيضاً. وقد أثبتت شركة «فيسبوك» أن دحر الإرهابيين وإبعادهم عن مواقع التواصل الاجتماعي هدف ممكن التحقيق، وبات في وسع المجتمع التكنولوجي أن يتعلم من النجاح الذي حققته في هذا الإطار، وخاصة محركات البحث والمواقع الشهيرة مثل: جوجل، ويوتيوب، وذي إنترنت أرشيف، وإنستغرام، ومايكروسوفت، وياهو، وغيرها. ولا شك أن دعوة هذه الشركات لاجتماع مشترك لمناقشة هذا الموضوع جاءت متأخرة جداً، إلا أنها تبقى بالغة الأهمية من أجل البحث عن الخطوات المضادة لنشاطات الإرهابيين، ومناقشة السبل الفعالة لتحقيق هذا الهدف. --------------- ستيف ستالينسكي المدير التنفيذي لمعهد الشرق الأوسط للبحوث الإعلامية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»