ليس بالخفي على أحد حجم وباء السمنة الذي يجتاح العالم غالباً، وما يعقبه من تسونامي من داء السكري من النوع الثاني، حيث تقدر منظمة الصحة العالمية أن 500 مليون شخص مصابون حالياً بالسمنة، أي ما يزيد على 10 في المئة من مجموع البالغين حول العالم، وبمعدلات أكبر بين الإناث عنها بين الذكور. كما أن معدلات السمنة المفرطة، أو السمنة الشديدة، تشهد هي الأخرى زيادة مطردة، مقارنة بمعدلات السمنة العامة، وخصوصاً في الولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا. وعلى صعيد داء السكري، تُقدر إصابة حوالي 300 مليون شخص بالنوع الثاني منه، أي ما يزيد على 6 في المئة من عدد البالغين حول العالم. ومع توافر أساليب واستراتيجيات عدة لعلاج السكري من النوع الثاني، أو بشكل أدق التحكم في المرض، مثل تغيير طبيعة ونوعية وكمية الغذاء، بالإضافة إلى حزمة متنوعة من العقاقير التي تعمل على خفض مستوى السكر في الدم بميكانيزمات مختلفة، أو اللجوء للحقن بهرمون الإنسولين، ولكن على رغم فعالية هذه الاستراتيجيات، إلا أن معظمها يحمل في طياته مضاعفات ومخاطر خاصة، كما أن الزمن لا يعمل في صالح مرضى السكري، حيث غالباً ما تظهر مضاعفات المرض بمرور الوقت، حتى في الحالات التي يضبط فيها المريض نسبة السكر لديه بشكل شبه مثالي. وهو ما دفع بالأطباء إلى التفكير في حل جذري لهذه القضية الصحية متفاقمة التبعات، من خلال البحث عن علاج شافٍ، بدلاً من الاستراتيجية المتبعة حالياً التي تدور حول التحكم قدر الإمكان في المرض، وتأجيل مضاعفاته لأطول فترة ممكنة. وأحد تلك الحلول المطروحة حالياً هو ما يعرف بجراحات السمنة، التي تعتمد على ثلاث أفكار رئيسة، أولاها الحد من كمية الطعام التي يمكن للمعدة أن تستوعبها في الوجبة الواحدة، من خلال تصغير حجم المعدة، مما يولد إحساساً بالشبع بعد تناول وجبة متوسطة أو صغيرة. وفي الأسلوب الثاني، يتم منع الجهاز الهضمي من الامتصاص الكامل للمواد الغذائية التي يحتويها الغذاء. أما الأسلوب الثالث، فهو في الحقيقة جمع بين الأسلوبين السابقين، أي تصغير حجم المعدة مع خفض ما يتم امتصاصه من الغذاء، وهو الأسلوب الأكثر استخداماً حالياً في الولايات المتحدة. ومؤخراً، تلقت هذه الاستراتيجية زخماً ودفعة مهمة مع نشر نتائج دراسة مثيرة في العدد الأخير من إحدى الدوريات الطبية المرموقة «Lancet»، أجراها علماء جامعة «كينجز كوليدج لندن» في بريطانيا، بالتعاون مع جامعة إيطالية. وقد أظهرت نتائج هذه الدراسة، التي شملت 60 شخصاً مصابين بالسكري من النوع الثاني، تحقق الشفاء التام للمرضى في نصف الحالات، ولمدة خمس سنوات، بعد أن فشل الاعتماد فقط على تغيير نوعية وكمية الغذاء، أو الأدوية والعقاقير في تخليصهم من مرضهم. فبعد الجراحة -في نصف الحالات- وصل مستوى السكر في دم المرضى إلى مستوياته لدى الأشخاص الأصحاء، ولمدة خمس سنوات. وارتفعت هذه النسبة إلى 80 في المئة من المرضى، الذين تمكنوا من الحفاظ على مستوى مثالي للسكر في الدم، بالاعتماد على تغيير نمط ونوعية الغذاء فقط، أو بتناول عقار واحد من العقاقير المستخدمة لضبط مستوى السكر في الدم. وحتى لدى المرضى الذين لم يتم شفاؤهم من مرضهم، أصبح من الأسهل عليهم التحكم في مستوى السكر بشكل أفضل. وبالتبعية، انخفضت معدلات أمراض القلب والشرايين لدى المرضى الذين خضعوا للجراحة، وهي الأمراض التي تعتبر من أهم وأخطر مضاعفات الإصابة بالسكري، كما أن نوعية الحياة التي أصبح يحياها هؤلاء المرضى قد تحسنت بشكل كبير. وهو ما دفع بالعلماء القائمين على الدراسة لتأكيد أنه من المنظور الاقتصادي البحت، قد يكون علاج مرضى السكري جراحياً، أفضل طبياً وأرخص تكلفة، بالنظر إلى تكلفة علاج هذا المرض المزمن، وتكلفة علاج المضاعفات الخطيرة التي تنتج عنه. وهو ما يجعل الاعتماد على جراحات السمنة لعلاج السكري، إجراء آمناً، وفعالاً، في التحكم في مستوى السكر في الدم، وفي خفض المضاعفات الناتجة عن المرض، كما أنه أقل تكلفة على المدى الطويل. وإن كان مدى فعالية هذا الإجراء في خفض معدلات الوفيات بين مرضى السكري من النوع الثاني على المدى الطويل، سؤالاً لا يزال يحتاج إلى إجابة، من خلال المزيد من الأبحاث والدراسات.