بعد رشيدة داتي التي كانت وزيرة للعدل في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، ونجاة فالو بلقاسم، وزيرة التعليم في عهد الرئيس الحالي فرانسوا أولاند، ها هي سيدة أخرى من أصل مغربي تصبح وزيرة في الحكومة الفرنسية. فعقب إعلان قصر الأليزيه يوم الأربعاء الماضي تعيين كاتبة الدولة المكلفة بسياسة المدينة، مريم الخمري، وزيرةً جديدة للعمل في حكومة مانويل فالس، أكدت الخمري عزمها العمل على التخفيف من أزمة البطالة في فرنسا، وهي واحدة من أشد الأزمات التي تعد مسؤولة عن تآكل شعبية أولاند. ومريم الخمري سياسية فرنسية وعضو المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الفرنسي، وكانت قد انتخبت لعضوية مجلس باريس قبل تعيينها العام الماضي كاتبة دولة مكلفة بسياسة المدينة، ثم أصبحت الأربعاء الفائت وزيرة العمل خلفاً لفرانسوا رابسمان. وهي امرأة عصامية وصبورة ومنظمة، ورغم صغر سنها فقد عملت في أكثر من مهنة، ورسمت لنفسها هدفاً ظلت تحاول بلوغه. ولدت مريم الخومري عام 1978 في العاصمة المغربية الرباط، لأب مغربي كان يملك محلا تجارياً في مدينة بوردو وأم فرنسية تعمل مدرسةً للغة الإنجليزية في ولاية بريتون بشمال غرب فرنسا. وقد عاشت مريم حتى سن التاسعة من عمرها في طنجة، حيث كانت والدتها تعمل في إطار التعاون الفرنسي المغربي، لكن مريم انتقلت مع عائلتها إلى «توار» بولاية «بوتوشارانت». وهناك اجتازت امتحان البكالوريا العلمية مع مرتبة الشرف، وكانت في الـ 17 من عمرها. ثم تزوجت من فني كومبيوتر ينحدر من منطقة «ميدوك» في ولاية «لاكيتين» في الجنوب الغربي الفرنسي، وأنجبت منه ابنتين حتى الآن. التحقت الخمري بكلية القانون في جامعة بوردو الرابعة، عام 1995، وخلال دراستها عملت في عدة مهن، حيث كانت موظفة بدالة هاتف، ثم مربية أطفال، فمضيفة استقبال، ثم بائعة في إحدى الشركات الخاصة، وأخيراً مع انتهاء دراستها الجامعية وجدت نفسها لبعض الوقت موظفةً في مزرعة. بيد أنها انتقلت إلى باريس في عام 1999، حيث تابعت دراستها العليا في القانون في جامعة باريس الأولى (بانتيون السوربون)، ونالت شهادة الماجستير في الإدارة السياسية عن طروحة حول «بيوتات العدالة والقانون» في عام 2001. وقبل ذلك، لدى تخرجها من الجامعة عام 1999، راسلت الخمري عدة مسؤولين وساسة بغية تمكينها من فرصة للتدرب، وكان منهم كلود بارتولون، الوزير المكلف بالمدينة في حينه، والذي منحها الفرصة في وزارته، قبل أن يقترح على «أنيك لبتي»، عمدة الدائرة الثامنة عشرة بباريس، تعيينها معاونة له. بعد انتخاب الاشتراكي برتران دولانوي عمدة لباريس عام 2001، أصبحت الخمري مسؤولة في الدائرة الـ18 بباريس عن قضايا الإدمان والوقاية والسلامة. وفي العام ذاته شاركت في تطوير خطة وقائية على المستوى المحلي للدائرة الـ18، كما شاركت في وضع خطة أخرى مشابهة في عام 2004، هي خطة «كراك» لشمال شرق باريس، ضمن بعثة وزارية مشتركة لمكافحة المخدرات والإدمان عليها. لكن الخمري أرادت أن تكون أكثر من موظفة معينة، فترشحت في مارس 2008 وانتخبت لعضوية مجلس الدائرة الـ18 بباريس، على لائحة للحزب الاشتراكي يقودها كل من دانييل فاياه وبرتران دولانوي، حيث أصبحت نائب العمدة لشؤون حماية الأطفال والمجتمع، ثم أصبحت بداية من فبراير 2011 نائب العمدة لقضايا الوقاية والأمن. لكن بداية من أبريل 2008 تم تعيينها ممثلة لمجلس باريس لدى عدة هيئات حكومية وأهلية؛ مثل مجلس إدارة مركز العمل الاجتماعي لمدينة باريس، ومجلس إدارة مستشفى الطفولة في «بيليون»، واللجنة الإشرافية لعنابر مدينة باريس. وخلال حملة الانتخابات البلدية لعام 2014 في باريس، كانت الخمري متحدثة باسم «آن هيدالغو»، سكرتيرة الحزب الاشتراكي للثقافة والإعلام ومرشحته لرئاسة بلدية باريس، محل زميلها الاشتراكي دانييل فاياه، العمدة المنتهية ولايته. وإذ فازت الخمري خلال الانتخابات البلدية ذاتها بعضوية مجلس الدائر الـ18، فقد أُسند لها، في أبريل 2014، منصب نائب رئيس اللجنة الدائمة لمجلس باريس. ولم تلتحق الخومري بالحزب الاشتراكي إلا في إبريل 2002، لكنها تدرجت سريعاً في مواقع المسؤولية الحزبية، حيث أصبحت عضو المجلس الوطني للحزب عام 2008، ثم عضو مكتبه الوطني في عام 2012، ثم سكرتيره الوطني المكلف بقضايا الأمن في مايو 2014. ومن موقعها الحزبي وتجربتها في العمل البلدي، التحقت الخمري بثاني حكومة لمانويل فالس، في أغسطس 2014، ككاتبة دولة مكلفة بسياسة المدينة، تحت إشراف باتريك كانير، وزير المدينة والشباب والرياضة، لتصبح أصغر وزير في الحكومة الفرنسية. ولم يفتأ كانير يثني على الخصال والقدرات المهنية للخمري، قائلا إنها الشابة التي لا تخشى العمل، بل اعتبرها في حينه وزيرة المدينة الحقيقية وليس هو. وهي الوزارة ذاتها تقريباً التي سبق أن شغلتها مواطنة فرنسية أخرى من أصل مغربي، هي نجاة فالو بلقاسم، في حكمة مانويل فالس الأولى، وكانت الوزارة باسم «حقوق المرأة، والمدينة والشباب والرياضة». وفي يوم الأربعاء الماضي انضمت الخمري إلى بلقاسم، إذ تم تعيينها وزيرة جديدة للعمل والتوظيف والتدريب المهني والحوار الاجتماعي، في الحكومة الثانية لمانويل فالس، لتحل مكان فرانسوا رابسمان الذي انتخب من جديد رئيساً لبلدية مدينة ديجون في وسط البلاد. وفور تنصيبها، أعربت الخمري عن تقديرها للمسؤولية التي وضعت على كاهلها، ووعدت ببذل كل جهد ممكن لخدمة الفرنسيين، لاسيما العاطلين منهم عن العمل، والذين تجاوزت نسبتهم 10 في المئة من القوة النشطة، وهي نسبة عالية بمقاييس الاتحاد الأوروبي واقتصادات الدول الصناعية الكبرى. ولإظهار عزمها في هذا الشأن، خصصت الخمري نشاطها الأول في الوزارة للقيام بزيارة ميدانية للوكالة الوطنية للتشغيل في ضاحية العاصمة باريس. ولعل اختيارها لهذا المنصب ينطوي على عدة أبعاد؛ ففيما يتعلق بالمدينة تمتلك الخمري خبرة طويلة في التعامل مع مشكلات المدن الفرنسية، لاسيما باريس وضواحيها. وفيما يخص العمل والتشغيل معلوم أن أكثر المناطق تضرراً من البطالة هي الضواحي والأحياء الفقيرة التي يتكون أغلب سكانها من المهاجرين، والنسبة الأكبر فيهم من ذوي الأصول المغاربية مثل الخمري. والأمر نفسه تقريباً بالنسبة للحوار، سواء أكان اجتماعياً بين العمال وأرباب العمل، أو ثقافياً بين فرنسا الميتروبوليتية وأبناء مستعمراتها السابقة الذين أصبحوا مواطنين فرنسيين مندمجين بدرجات متفاوتة! فما الذي يمكن للخمري إنجازه على هذه الأبعاد مما يمكن أن يعين الرئيس أولاند على استعادة شعبيته في أفق الانتخابات الرئاسية المقررة العام القادم؟ لعل سؤال الانتخابات هو السؤال الرئيسي والأهم في تعيين الخمري! محمد ولد المنى