خلال الأسابيع الماضية، كان هناك اهتمام كبير بعدد أعضاء مجلس الشيوخ «الديمقراطيين»، الذين يزمعون إعلان دعمهم للاتفاق مع إيران، حيث كان عدد الأصوات المطلوب لضمان تمرير ذلك الاتفاق هو 34 صوتاً. والآن، ومع اقتراب عدد الموافقين من هذا الرقم السحري، نرى وسائل الإعلام المختلفة في الولايات المتحدة وإسرائيل، وقد حفلت بالتحليلات والتعليقات عما سيعنيه ذلك بالنسبة لإسرائيل. ونظراً لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قد استثمر قدراً كبيراً للغاية من الرأسمال الشخصي، في محاولة تعويق الاتفاق، وأن ذراعه الأميركية المتمثلة في لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية (آيباك)، قد جعلت هي أيضاً من هزيمة ذلك الاتفاق أولويتها الرئيسية، فإن المرء يستطيع بالكاد أن يوجه لوماً لليهود الليبراليين، الذين يريدون الاحتفال بهزيمة «آيباك»، أو لبعض الإسرائيليين الذين يتباكون على ما يسمونه «غلطة نتنياهو الاستراتيجية». الرأيان اللذان يتبناهما اليهود الليبراليون والإسرائيليون المتباكون، ساذجان وقصيرا النظر. فأنا أرى أن نتنياهو، وعلى عدة مستويات، قد خرج رابحاً.. كيف؟ دعوني أوضح ذلك. بادئ ذي بدء، يجب علينا أن نتذكر أنه منذ منتصف التسعينيات تقريباً، عمل نتنياهو وآيباك بشكل حثيث على تحويل بؤرة تركيز الولايات المتحدة من عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى إيران، وهو ما نجحا فيه، كما يتبين راهناً من عدم وجود أي مناقشة جادة لعملية السلام بين الطرفين المتنازعين. من جانبي، أتمنى على الرئيس أوباما أن يحول محور اهتمامه من الاحتفال بتوقيع الاتفاق مع إيران، إلى القيام بجهد دولي لإنهاء الاحتلال وضمان حقوق الفلسطينيين.. بيد أنني لا أحبس أنفاسي في انتظار ذلك. وبعد أن دفع أوباما أعضاء مجلس الشيوخ للتصدي لضغط آيباك بشأن الاتفاق، فإنني أفترض أن البيت الأبيض سيتردد طويلاً قبل أن يقوم بتحدي إسرائيل مرة ثانية. من خلال ممارسة ما يمكن اعتباره نوعاً من النزق السياسي، والدبلوماسي المبالغ فيه، نجح الجانب الإسرائيلي في جعل نفسه محور اهتمام الإدارة والكونجرس على حد سواء؛ حيث لم يكن يمر أسبوع خلال الفترة الماضية من دون أن نقرأ تقارير عن قيام الرئيس، ونائب الرئيس، ووزير الخارجية، بعقد اجتماعات تمتد لساعات مع مناصري إسرائيل في محاولة منهم لشرح غوامض الصفقة، وتأكيد التزامهم الثابت بدعم إسرائيل. ولقد ثبت مما حدث خلال الفترة الماضية أن النزق لا يجعلك فحسب موضعاً للاهتمام، وإنما يوفر لك أيضاً احتمالات أنك سوف تحصد جوائز من وراء ذلك. وبمناسبة الحديث عن الجوائز، تقوم الإدارة الأميركية الآن بإبرام حزمة أمنية معززة مع إسرائيل تبلغ قيمتها 1.8 مليار دولار، تضاف للمساعدات السنوية التي يخصصها الكونجرس لإسرائيل. ومن المتوقع أن يحرص أعضاء الكونجرس من الآن فصاعداً، على جعل تصريحاتهم وبياناتهم أكثر وضوحاً في ما يتعلق بالتأكيد على التزامهم الذي لا يتزعزع بمصلحة وأمن إسرائيل. من النقاط التي قد يكون لدى هؤلاء الذين تباكوا على سوء تقديرات نتنياهو حقاً فيها، تلك المتعلقة بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد جعل من دعم إسرائيل مسألة حزبية وهو ما أدى إلى المزيد من الاستقطاب بين «الديمقراطيين» و«الجمهوريين» حول هذه المسألة على وجه التحديد. ولكنني أرى أنهم كانوا على حق في ذلك جزئيا فقط. فنتيجة للأسباب التي أوردتها أعلاه، فإنه لا شيء سيتغير بشأن دعم إسرائيل في المدى القريب، حيث ستظل تحصل على كميات ضخمة من المساعدات الأميركية بدعم من الحزبين، ولن يكون هناك سوى ضغط قليل لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، أو إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني. هناك انقسام حزبي ظهر بالفعل بشأن مسائل أخرى تتعلق بإسرائيل، ولكنها لا تتعلق بالصراع مع الفلسطينيين. فاستطلاعات الرأي تبين أن القواعد الشعبية لـ«الديمقراطيين» و«التقدميين» سئمت من رئيس الوزراء الإسرائيلي وسياساته، وتسعى لسياسة أميركية أكثر استقلالاً إزاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ولا شك أن الظهور والنمو السريع للمجموعات اليهودية الليبرالية الموالية لإسرائيل مثل «جي ستريت» و«أميركيون من أجل السلام الآن»، و«الصوت اليهودي من أجل السلام» وغيرها، كلها علامات على هذا التحول. والآن فلنضع مناديل تجفيف الدموع، ورايات النصر جانباً.. ودعونا نقول: إن التأثير الصافي لتحدي نتنياهو لأوباما يتمثل في ربح قصير الأمد لإسرائيل. فهو وأنصاره كانوا في الفترة الماضية محور الاهتمام، وبؤرة تركيز المشرعين. وفي هذا الخصوص، لم يتغير سوى القليل عما كان سائدا في السابق. مع ذلك، فإن التغيير قادم، والانشقاق يختمر، وكل ما هنالك هو أن ذلك لن يحدث بالسرعة المطلوبة لوضع السياسة الأميركية مرة أخرى على المسار الصحيح بشأن التعامل مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن