نشرت جريدة «الحياة» يوم الثلاثاء الماضي، الأول من سبتمبر الحالي، في صفحتها التاسعة خبر "مساعٍ لعقد مؤتمر للقوى السنية العراقية في العاصمة القطرية الدوحة". وتأتي هذه الدعوة للمؤتمر المذكور بغرض توحيد القوى السنية. وتجدر الإشارة إلى أن هيئة «علماء المسلمين» العراقية المعارضة للعملية السياسية أطلقت في منتصف الشهر الماضي «مشروع العراق الجامع». وذكرت الجريدة أن مؤتمر الدوحة الذي سيعقد في الأسابيع القادمة سيبحث توحيد القوى السنية العراقية، وإنهاء حالة التشرذم، والتحفيز لمحاربة «داعش»، وتسوية أوضاع مئات الآلاف من النازحين. نقدر ونحترم الدعوة لتوحيد صفوف سنّة العراق، إذ قد تمهد لاستقرار العراق.. لكن توجيه الدعوة للسنّة فقط دون دعوة الشيعة العرب للحوار في الدوحة، يعطي إشارة خاطئة للشيعة العرب في العراق والمنطقة بأن دول الخليج تحرص على وحدة السنّة وتتجاهل الشيعة العرب في المنطقة. دول الخليج العربية كان موقفها دائماً ولا يزال هو الدعوة للحوار بين الفرقاء السياسيين في العراق، وحثهم على توحيد مواقفهم، والحرص على وطنهم من منطلق مفهوم المواطنة والحرية الكاملة لممارسة العقائد. إن مفهوم المساواة وممارسة العقيدة هما نتاج التطور الحضاري الذي رسخ قواعد الدولة المدنية بكل أبعادها، السياسية والقانونية. وكلما ترسخت الدولة المدنية القانونية اضمحلت أسباب التفرقة واندثرت مبررات الفتنة الطائفية، والعكس صحيح. الدعوة القطرية يجب أن لا تنطلق من مفهوم مذهبي سني، لأن التسامح الديني لم يكن سمة خاصة بالدول الدينية على الإطلاق، بل هي سمة حضارية تتعلق بحضارة العصر الذي نعيش فيه. ما يؤكد وجهة نظرنا هو ما نشرته وكالة تسنيم الإيرانية في تقرير لها أعلنت فيه أن المؤتمر سيستضيف «هيئة علماء المسلمين» (المعارضة) وكبار قادة «البعث» العراقي المحظور وكبار مؤيدي الطاغية الراحل صدام حسين، في إطار مخطط كبير يستهدف إسقاط العملية السياسية في العراق! وحتى لا تتهم قطر أو دول مجلس التعاون الخليجي بزرع الطائفية في العراق، مطلوب من دول المجلس التنسيق مع دول التحالف الغربي والأمم المتحدة للتمهيد لعقد مؤتمر حوار وطني يضم كل السياسيين وأصحاب القرار في العراق، من سنة وشيعة وأكراد وغيرهم، وألا يُستبعد أحد، وأن توضع أجندة وبرنامج عمل واضح لإنهاء الحرب الأهلية في العراق ومحاربة الإرهاب السني (داعش) والشيعي (الميليشيات الشيعية المختلفة)، والعمل على وضع دستور توافقي يرضي جميع الفرقاء في البلاد ويوحد نسيج المجتمع العراقي في دولة مدنية وقانونية عمادها الدستور والقانون. دعوتنا لإقامة دولة مدنية في العراق لن تتحقق؛ وذلك لاعتبارات كثيرة، أهمها أنه لا توجد قاعدة شعبية واسعة تؤمن بمدنية الدولة، فالشعب العراقي عندما أتيحت له الفرصة للتصويت الحر صوّت للطائفية والقبلية والقومية الكردية وتناسى الجميع الوطن، أما السبب الآخر الذي يعوق اتجاه العراق للدولة المدنية هو تدخل إيران في الشأن العراقي ووجود أحزاب وحركات طائفية مستفيدة من الوضع الطائفي، ومن مصلحتها بقاء الفساد والتشرذم وتمزق المجتمع الواحد. ما يحتاج إليه العراق اليوم هو مجتمع مدني متحضر يرفض الطائفية والقبلية والولاء الجانبي ويؤكد على وحدة المجتمع ومصالح جميع مكونات الشعب العراقي. ------------- *أستاذ العلوم السياسية- جامعة الكويت