تمتد منطقة «شينجن» في أوروبا على مساحة 1.6 مليون ميل مربع ويستطيع نحو 400 مليون شخص الانتقال بحرية داخلها. وشينجن هو اسم بلدة صغيرة في لكسمبورج اجتمع بالقرب منها مجموعة من زعماء دول أوروبية على متن قارب في نهر عام 1985 ليضعوا أساس الاتفاقية المهمة. وقبل قليل من التوصل إلى الاتفاقية كانت الأسوار تقسم القارة فعلياً. لكن بعد مرور ثلاثين عاماً عليها، أصبح من الواضح أنها تمخضت عن نتائج لم تكن مرغوبة وتواجه انتقادات شديدة. فبدايةً وقبل اتفاقية شينجن، كانت المادة 48 من معاهدة روما لعام 1957 قد كفلت مبدأ «حرية الحركة للأشخاص» في المجموعة الاقتصادية الأوروبية أو ما كان يعرف باسم السوق الأوروبية المشتركة التي سبقت الاتحاد الأوروبي. لكن الدول الأعضاء اختلفوا بشأن ما يعنيه ذلك على مدار عقود. ولم يتم التوصل إلى اتفاق لإزالة تدريجية للحدود إلا عام 1985 عندما اجتمع زعماء من بلجيكا وفرنسا ولكسمبورج وهولندا وألمانيا الغربية بالقرب من شينجن. وأعقب اتفاق عام 1985 مؤتمر شينجن عام 1990 الذي دعم فكرة تبني سياسة مشتركة لتأشيرات السفر. وبعد سنوات من الجدل، طُبقت اتفاقية شينجن أخيراً عام 1995 واندمجت في قانون الاتحاد الأوروبي عام 1999 مع تطبيق اتفاقية امستردام. و«شينجن» تضم 26 دولة، ويشيد المسؤولون الأوروبيون بنجاح الاتفاقية في غالب الأوقات. فهي تدعم التجارة بين الدول وتسمح للسائح بالسفر من بولندا إلى البرتغال بالقطار دون أن يضطر إلى تقديم جواز سفره. لكن رغم فوائدها الواضحة، لا يؤيدها الأوروبيون بشكل كامل. فقد أظهر عدد من استطلاعات الرأي في السنوات القليلة الماضية معارضة قوية للاتفاقية في عدد من الدول. ففي عام 2012، على سبيل المثال، أظهر استطلاع للرأي أن أغلبية في فرنسا وبلجيكا والسويد وإسبانيا وألمانيا يؤيدون إعادة فرض قيود على الحدود. والجدير بالذكر أنه حينما تصورت الدول الأوروبية في بداية الأمر منطقة شينجن كانت تتخيل أنه بينما سيتم تخفيف القيود على الحدود الداخلية فسوف يتعين على الدول الأوروبية العمل سوياً على تعزيز أمن حدودها الخارجية للمنطقة كلها. والمشكلة أن هذا سهل في القول وصعب في التنفيذ. فبعد احتدام الصراعات في الشرق الأوسط ومناطق أخرى في السنوات القليلة الماضية، توجه عدد كبير من اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا بمعدل سريع لم يتوقعه أحد. ورغم محاولات التوصل إلى استراتيجية مشتركة لتأمين حدود أوروبا الخارجية دخل عدد كبير من اللاجئين إلى أوروبا. والدول التي على تخوم أوروبا وهي في الغالب دول فقيرة مثل اليونان والمجر تتحمل العبء الأكبر. والمجر، مثلاً، أقامت سوراً بطول 109 أميال على حدودها مع صربيا. والدانمرك أعلنت في الآونة الأخيرة أنها تعتزم إعادة فرض إجراءات السيطرة على امتداد حدودها مع ألمانيا. وقضت المحاكم الفرنسية في وقت سابق هذا العام بمشروعية إجراءات فرض السيطرة على الحدود بهدف منع المهاجرين من العبور من إيطاليا. وهذه الإجراءات تناقض و روح اتفاقية شينجن. وصحيح أن المادة 2.2 من اتفاقية شينجن تسمح بفرض قيود على الحدود لأسباب خاصة «بالسياسة العامة أو الأمن القومي» لكن أنصار الاتفاقية قلقون من أن يمثل هذا تهديدا أساسيا لشينجن. والهجرة ليست المسألة الوحيدة المثيرة للقلق في منطقة شينجن. فهناك أيضاً مشكلة الأمن التي تجلت بوضوح الشهر الماضي بعد إحباط محاولة مواطن أوروبي من أصل مغربي إطلاق النار داخل قطار قادم من امستردام ومتجه إلى باريس. وأيضا هناك قضية انتقال البضائع غير القانونية ومنها الأسلحة عبر الحدود بسهولة كبيرة. وذكر خبراء أن كثيراً من الأسلحة التي عثر عليها في غرب أوروبا ومنها التي استخدمت في الهجوم على مقر صحيفة شارلي أبدو الساخرة في باريس في يناير الماضي تم تهريبها على الأرجح من مناطق الصراع السابقة في شرق أوروبا. وفي ضوء هذا تبدو الاتفاقية معرضة للخطر. وحذرت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل في الآونة الأخيرة من أنه «ما لم ننجح في توزيع اللاجئين بالعدل ستصبح شينجن بالطبع على قائمة الأولويات» المطروحة للمناقشة. وهذا ليس التحذير الوحيد بشأن شينجن من زعيم أوروبي فقد سبقه كثير. لكن شينجن صمدت وقد تصمد إذا استطاعت الدول الأوروبية التوصل إلى طريقة أفضل للتعامل مع قضيتي اللجوء والأمن. آدم تايلور محلل سياسي متخصص في الشؤون الخارجية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»