قُتل ضابط شرطة أثناء احتجاج في كييف يوم الاثنين الماضي في أول حادثة من هذا النوع منذ «ثورة الكرامة» في أوكرانيا العام الماضي. وكان قوميون متشددون بعضهم يحمل أسلحة احتشدوا للاحتجاج على تعديل دستوري اقترحه الرئيس «بيترو بوروشينكو» يسمح بإعادة اندماج المناطق الانفصالية في أوكرانيا وفق بنود خاصة تحابي روسيا. ورغم أن غالبية البرلمان الأوكراني أيدت الإجراءات لكن أعمال العنف في الشوارع تُظهر مدى صعوبة إحداث تغيير في بلد فقير وهش تنتشر فيه الأسلحة. والرئيس الروسي يتطلع فيما يبدو إلى مخرج من الفوضى في شرق أوكرانيا، لكن حتى بعد عام من الحرب، لا يرغب كثير من الأوكرانيين في إنهاء القتال بطريقة مقبولة لروسيا. وأعلن وزير الداخلية الأوكراني «أرسين أفاكوف» على «فيسبوك» مقتل ضابط الشرطة. واتهم «أفاكوف» وبعض الشهود حزب «سفوبودا» القومي المتطرف بارتكاب أعمال العنف. لكن الحزب ألقى باللائمة على السلطات في «استفزاز الأوكرانيين على الاحتجاج». وربما تبحث السلطات عن تورط روسي لكنها لن تجد على الأرجح إلا قوميين أوكرانيين متشددين يريدون القتال في حرب ضد روسيا ووكلائها في شرق أوكرانيا حتى النهاية. وفي البرلمان وصف «يوري شوخفيتش» من «الحزب الراديكالي» الشعبوي التعديلات الدستورية المقترحة بأنها «خيانة للمصالح القومية الأوكرانية» لأنها تعطي الكثير جدا من الحكم الذاتي للمناطق الانفصالية وتجعل لها «شرطتها ومحاكمها وإدعاءها وضرائبها الخاصة ولها الحق في إقامة علاقات خاصة مع المناطق الروسية المجاورة». ولا شيء من هذه الصلاحيات مذكور في تعديلات «بوروشينكو»، التي تطالب فحسب بأن تُحكم المناطق الانفصالية وفق قانون خاص. ويشعر «يوري شوخفيتش»، وهو نجل «رومان شوخيفيتش» المتعاون البارز مع النازيين والبطل في نظر اليمين الأوكراني، بالقلق من تعديل القوانين لإرضاء بوتين بمجرد إقرار التعديل. ولدى «شوخفيتش» ووطنيين آخرين بعض الأسباب الجيدة للاعتقاد في احتمال حدوث هذا. فقد ضغطت الولايات المتحدة وأوروبا على بوروشينكو كي يدفع بالتعديلات الدستورية. وزارت «فيكتوريا نولاند» وكيلة وزير الخارجية الأميركي كييف في يوليو في محاولة لاقناع المشرعين الأوكرانيين بتأييد التعديلات. واجتمعت مع برلمانيين مشاكسين لكنها فشلت في مهمتها لأن خمسة من ستة أشخاص حضروا الاجتماع صوتوا ضد مقترحات بوروشينكو. وربما ناقشت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند التصويت مع بوروشينكو في 24 أغسطس في برلين. ويوم الاثنين الماضي اتهم «شوخيفيتش» أوروبا بأنها «تبيعنا وتتخلى عنا... هذه إهانة للكرامة الوطنية للأمة الأوكرانية». وميركل وأولاند والمسؤولون الأميركيون لا ينظرون إلى الأمر هكذا. ما يشغلهم هو توفير طريقة مشرفة لتراجع بوتين، ولا يهمهم كثيراً تقديم بضع صلاحيات أخرى للمتمردين مادام أن المناطق الانفصالية سيعاد دمجها في أوكرانيا. ولن يجدي هذا النهج نفعاً على الأرجح. فالانفصاليون استهانوا بمقترح «بوروشينكو»، وناقشوا إجراء انتخابات في أكتوبر وفق قوانينهم وليس وفق قوانين أوكرانيا. وإذا فعلوا هذا، فلن تتحقق إعادة الاندماج ويستمر الصراع شبه المتوقف وقد تواجه روسيا عقوبات غربية جديدة أخرى. وبوتين حتى الآن مستعد فيما يبدو للتواصل مع ميركل وأولاند. ويوم 29 أغسطس تحدث معهما عبر الهاتف واتفق على «وقف كامل لإطلاق النار» يبدأ في الأول من سبتمبر. وفي اليوم التالي للمكالمة تقلص القتال بشدة في شرق أوكرانيا بعد أسابيع من الاحتدام. ونظراً للوضع المتردي للاقتصاد الروسي بسبب انخفاض أسعار النفط، فقد يجنح بوتين إلى تقديم تنازلات لكن مع احتفاظه بشبه جزيرة القرم. ويستوعب بوروشينكو هذا جيدا على الأرجح دون تنبيه من برلين أو باريس أو واشنطن. لكنه لم يحصل بعد على 300 صوت مطلوبين للموافقة النهائية على التعديلات الدستورية في تصويت مقرر في ديسمبر. ويوم الاثنين وافق 265 عضوا بشكل مبدئي على التعديلات بينما صوت ثلاثة أحزاب أعضاء في الائتلاف الحاكم ضدها. ومع اقتراب انتخابات المحليات في الخريف، يمثل التشدد الشعبوي تهديداً كبيراً لبوروشينكو ورئيس الوزراء «أرسيني ياتسنيوك»، خاصة بعد أن فشلا في الوفاء بوعودهما بانعاش الاقتصاد ومحاولاتهما في التخلص من سيطرة الأولجاركية (أصحاب المال ذوي النفوذ السياسي) حاسمة في هذا المسعى. وانخفضت شعبية حزب «ياتسنيوك» إلى صفر تقريباً، وضم قواه إلى بوروشينكو لتجنب هزيمة انتخابية. ومازال الرئيس يتمتع بشعبية نسبياً، لكن الاتهامات بأنه يحاول إرضاء بوتين قد تضر بأداء حزبه. ومازالت عودة الأوضاع الطبيعية إلى أوكرانيا بعيدة المنال. والاشتباكات الدموية التي جرت يوم الاثنين الماضي دليل على أن العنف سيندلع من جديد على الأرجح. وربما يريد غالبية الأوكرانيين إنهاء القتال لكن فرقة قليلة صغيرة نسبية وغاضبة وجيدة التسليح لا تريد هذا. وربما يكون هذا ما يريده بوتين تحديدا. كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»