حين جاء رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى السلطة توقع كثيرون أنه سيتبنى سياسة خارجية تمثل القوة. لكن السياسة الخارجية لحكومته ظلت إلى حد كبير استمراراً للإدارة السابقة فيما عدا موقف يتزايد تشدداً بشكل واضح تجاه باكستان. ووصف بعض المعلقين سياسة «مودي» تجاه باكستان بأنها مرتبكة، لكن حكومته رفضت عقد أي حوار إذا أصرت إسلام أباد على إجراء محادثات مع الانفصاليين الكشميريين. وفي يوليو الماضي، ألغيت محادثات على مستوى وزراء الخارجية بعد أن دعا سفير باكستان في الهند زعماء للانفصاليين الكشميريين لاجتماع معهم قبل إجراء المحادثات بقليل. وفي ذلك الوقت، أعلنت حكومة «مودي» أنها لن تعقد المحادثات إذا اجتمع مستشار الأمن القومي الباكستاني مع الانفصاليين الكشميريين على هامش المحادثات في نيودلهي. وفي الماضي، دأبت الحكومات الهندية المتعاقبة ومن بينها حكومة للحزب الحاكم الحالي بهاراتيا جاناتا على تجاهل محادثات الزعماء الباكستانيين مع الانفصاليين الكشميريين. والواقع أن زعماء باكستان دأبوا على إجراء محادثات مع الانفصاليين الكشميريين حينما تعقد محادثات بين البلدين في نيودلهي. لكن مرة أخرى، ألغيت محادثات على مستوى مستشاري الأمن القومي بسبب ما وُصف بأنه ظروف. وأحد هذه الظروف اعتراض نيودلهي على إجراء المستشار الباكستاني «سرتاج عزيز» محادثات مع زعماء للكشميريين الانفصاليين. والظرف الثاني، رفض نيودلهي إدراج كشمير على قائمة أولويات المحادثات والإصرار على أن تقتصر على قضية الإرهاب. وفي يوليو الماضي، اجتمع رئيساً وزراء البلدين في مدينة «أوفا» الروسية على هامش قمة الدول صاحبة الاقتصادات الأكثر نمواً في العالم وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا (بريكس)، وقررا إجراء محادثات بين مستشاري الأمن القومي للبلدين. وبدا الأمر كما لو أن الزعيمين حققا انفراجة غير مسبوقة. لكن العثرات على الجانبين تمخضت عن إلغاء المحادثات وزيادة احتمالات وقوع المزيد من التوترات على امتداد خط التحكم في كشمير الذي يمثل الحدود بحكم واقع الحال بين البلدين. ورفضت باكستان المضي قدماً في المحادثات متهمة الهند بوضع «شروط مسبقة» لرفضها إضافة كشمير على قائمة الأولويات ورفض الجانب الهندي إدخال «أطراف ثالثة» وهم «الانفصاليون الكشميريون» بين حكومتي الهند وباكستان. ولم يستطيع رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف الحصول فيما يبدو على دعم داخلي لاتفاق «أوفا» بشأن اقتصار المحادثات على قضية الإرهاب. فقد أدلى بالبيان المشترك، لكنه لا يتمتع بالقوة الكافية لتنفيذه، وهذا أظهر مرة أخرى أن القيادة المدنية في باكستان لا تتمتع بما يكفي من القوة لتطبيق قائمة أولوياتها خاصة إذا كان هذا يتعلق بالهند، لأن هذا الملف من اختصاص الجيش الباكستاني. ومن الواضح أيضاً أن الاتفاق في «أوفا» كان خبرة مباشرة لنواز شريف توضح أنه لا يتمتع بالنفوذ الكافي ليتمكن من تنفيذ رؤيته بشأن العلاقات الهندية الباكستانية. و«مودي» أيضاً بحاجة إلى تحديد أكثر لسياسته التي يعتزم تطبيقها بشأن العلاقات الباكستانية الهندية. والحل لا يمكن أن يتمثل في عدم إجراء حوار على الإطلاق. والبلدان مازلا يطرحان خيار الحوار في المستقبل مع احتمال إجراء محادثات بشأن الحدود بين قوات الحرس على الجانبين الشهر المقبل. فمن المهم أن تبقى قنوات الاتصال مفتوحة بين الجانبين. أما حالياً، فإن العلاقات بين البلدين متوترة على مدار الشهرين الماضيين مع تبادل إطلاق النار من حين إلى آخر على امتداد الحدود رغم اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2003. ودأبت الهند على اتهام باكستان بالتقاعس عن التصدي للإرهاب عبر الحدود، وطالبت باكستان باتخاذ إجراءت ضد جماعة عسكر طيبة المتشددة التي تتخذ من باكستان قاعدة منذ الهجوم الإرهابي على مومباي عام 2008. وتتهم الهند باكستان إيضا بايواء داوود إبراهيم الذي تسعى السلطات الهندية لاعتقاله لضلوعه في التدبير لتفجيرات بومباي عام 1993 التي قتل فيها 250 شخصاً. وكل هذه القضايا يتوقع مناقشتها في المحادثات. والسؤال: ما هو التالي في العلاقات الهندية الباكستانية؟ فبعد أن عبرت باكستان والهند بوضوح عن مواقفهما لم يعد فيما يبدو مجال كبير للمناورة. وكل الأنظار تتجه حالياً إلى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة التي سيحضرها كل من مودي وشريف. ورغم أنه من غير المعروف إذا ما كانا سيجتمعان، فإن مستقبل المحادثات الهندية الباكستانية كئيب تماماً فيما يبدو. مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي