لطالما نُظر إلى التعليم في أميركا على أنه أداة فعالة للترقي ومواجهة الظروف المناوئة التي تكتنف حياة الطلاب وأسرهم. لكن هذا الاعتقاد تحول لأسطورة لحد كبير. فخلال العقد الأخير، بُذلت جهود جبارة لإصلاح وإعادة بناء المدارس في مدن الولايات المتحدة، بعد أن وصلت إلى حالة يرثى لها، وهو ما يعني ضمنياً أن السلطات التعليمية الأميركية قد خذلت طلابها، خصوصاً هؤلاء الذين يعانون الفقر والفاقة، والذين يعتبرون التعليم بالنسبة لهم وسيلة وحيدة للارتقاء الاجتماعي. وفي كتابها «الجائزة.. من المسؤول عن مدارس أميركا؟»، تقول: «ديل روساكوف»، الصحفية السابقة في «واشنطن بوست»، إن إصلاح التعليم أصبح عملية ملحة للغاية، تتطلب مشاركة مسؤولين ورجال أعمال ومؤسسات تؤمن بالفكرة القائلة: إن تأهيل المدرسين، وإصلاح المناهج التعليمية، وتعيين إدارات كفؤة ذات تفكير عملي وقدرات خلاقة.. يتيح النهوض بالنظام التعليمي المتردي. في هذا الكتاب الذي جمعت مادته من سلسلة تحقيقات صحفية أجرتها خلال عام 2010، تقدم لنا المؤلفة سرداً مشوقاً عن محاولة مدينة «نيوارك» التابعة لولاية نيوجيرسي إصلاح نظامها التعليمي المتداعي، وتكشف أنه عندما بدأت تحقيقاتها في ذلك العام، كان أقل من 40% من طلاب المرحلة الثالثة إلى الثامنة في مدارس ولاية نيوجيرسي يدرسون الرياضيات، كما كان نصف عدد الطلاب يتسربون من مدارسهم قبل استكمال تعليمهم، وكانت المباني المدرسية شديدة السوء. ولم ينقذ هذا الوضع المأساوي سوى ظهور شراكة غير مألوفة بين ثلاثة أشخاص؛ عمدة المدينة الأسود الكاريزمي المنتمي للحزب الديمقراطي «كوري بوكر» الذي وحد جهوده مع حاكم الولاية الأبيض والجمهوري الطموح «كريس كريستي»، لإعادة تأهيل مدارس المدينة، ليقوم الاثنان معاً بإقناع مارك ذوكربيرج، مؤسس «فيس بوك»، بالانضمام إليهما. وكان أول ما قام به ذوكربيرج التبرع بـ100مليون دولار، سرعان ما أضيف إليها 100 مليون دولار أخرى، علاوة على تبرعات من أشخاص آخرين، قبل أن يقوم الثلاثة بإطلاق المشروع من خلال برنامج «أوبرا وينفري شو». لم يكن الهدف المعلن، كما تقول المؤلفة، إصلاح نظام التعليم في «نيوارك» وحدها، ولا في ولاية نيوجيرسي فقط، وإنما في كافة أنحاء الولايات المتحدة الأميركية، من خلال تطوير نموذج صالح للتطبيق. وترى المؤلفة أن تلك الجهود الكبيرة التي بذلت لإصلاح منظومة المدارس، لم تصل إلى مرحلة النجاح المأمول، بسبب انشغال من أطلقوا المشروع في البداية، وعدم تفرغهم لمواصلة الاهتمام به. فبوكر عمدة المدينة تم انتخابه لمجلس الشيوخ، وكريستي حاكم الولاية يكافح للدفاع عن نفسه ضد فضيحة محلية وينشغل أيضاً بخوض الحملة الانتخابية للترشح كرئيس. الشخص الوحيد الذي بقي على التزامه هو ذوكربيرج، وهو ما يدعو للدهشة، حيث أعلن عن تقديم منحة جديدة قدرها 120 مليون دولار للمدارس الفقيرة. ورغم أنه أعلن نيته دمج الآباء والمدرسين في عملية التخطيط، فإن العنصر الرئيسي المهم الذي ركزت عليه منحته الأخيرة، هو بناء شبكة دعم للطلاب، وهي شبكة تتضمن كل شيء من العناية الطبية بهم إلى العناية النفسية. ولاحظ زوكربرج أن إصلاح المنظومة المدرسية وحدها ليس كافياً، وأن الولايات المتحدة بحاجة أولا إلى إحداث فارق في حياة الأطفال الذين يصارع العديد منهم ضد تأثيرات الفقر والحياة القاسية.. وهي قصة مختلفة تماماً كما ترى المؤلفة. سعيد كامل الكتاب: الجائزة.. من المسؤول عن مدارس أميركا؟ المؤلفة: ديل روساكوف الناشر: هوتون ميفلين هاركوت تاريخ النشر: 2015