أعتقد أن المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان ديمستورا بدأ مهمته لملء الفراغ الذي كان سيحدث لو أنه قدم استقالته كما فعل من سبقه، وقد تحولت مهمته إلى عمل جاد بعد أن ارتاح الأميركان قليلاً من عبء الاتفاق النووي الذي كان عسيراً، وربما يكون مزاج إيران قد تحسن أيضاً وصار من الممكن عندها أن تسمع وأن ترى بعد خمس سنوات من الصمم والعمى عن فظاعة ما تورطت به هي وربيبها «حزب الله» من جرائم ضد الشعب السوري بذريعة التصدي لـ«الشيطان الأكبر» الذي سرعان ما صار صديقاً حميماً! أما الروس الذين يحملون السلم بالعرض ضد السوريين فقد تسلموا ملف الحل كما يبدو، ولابد أنهم ينسقون مع ديمستورا الذي قدم رؤية تمكن النظام من البقاء وتضمن له الالتفاف على مطالب الشعب، بينما يحضّر الروس لمؤتمر سوري ربما يعقد في جنيف قريباً.. وعلى تصور مسارات ديمستورا فقد تكون مجموعات العمل التي اقترحها هي البنية الأساسية للمؤتمر، وأتوقع أن يبارك الأميركان وأصدقاء سوريا (رغم انهيار الثقة بالصداقة الواهية) هذا الجهد. ولكن التخوف السوري هو أن يظهر جسم سياسي معارض جديد بدعم روسي يتخلى عن الثوابت التي أعلنها الائتلاف وقد صارت وثيقة أساسية، بل قد يرحب كثير من السوريين بالتخلص من الائتلاف كله بعد أن أخفق في كسب ثقة السوريين المعذبين في الأرض، وقد ينسيهم هذا الموقف المعادي أو المنتقد للائتلاف أن اللحظة التاريخية التي كسبوا فيها تمثيلاً شرعياً قد لا يتكرر، وأن الجسد السياسي الجديد في حال تشكله سيضم ممثلين للنظام يجلسون على مقاعد المعارضة، وستنسف الثوابت لتحل محلها منطلقات جديدة سيقال إنها تستند إلى جنيف ولكنها تنهي القضية لصالح النظام بمحاولة نسيان جوهر القضية والتوجه معاً (النظام والمعارضة لمحاربة الإرهاب بوصفه هو القضية) حيث تتجاهل رؤية ديمستورا والروس والأميركان أيضاً أن ثورة الشعب السوري قامت من أجل إنهاء الاستبداد الذي جعل رجلاً واحداً يتحكم في مصير 25 مليون إنسان، وبوسعه أن يقتلهم ويعذبهم ويشردهم ويدمر مدنهم وقراهم دون أن يسائله أحد. وعلى الرغم من أنني لست عضواً في الائتلاف، بل إنني أشارك السوريين انتقاداتهم المحقة لمسببات الفشل الذي أصابه، إلا أنني أفرق جيداً بين الائتلاف بوصفه مؤسسة حظيت بشرعية دولية، وأعلنت وثيقة مهمة لا اعتراض عليها ولا تنازل عنها، وبين أشخاص تصرفوا بطرق أفقدتهم ثقة الشعب. إن تهميش الائتلاف سيتيح الفرصة لظهور قوى معارضة تتمسك بالنظام ورأس النظام بذريعة عدم وجود بدائل مقنعة، وسيكون السؤال التقليدي محرجاً: «هل تريدون داعش أو القاعدة بديلاً؟ إذن عليكم أن تحافظوا على السيئ لأنه أفضل من الأسوأ»! وعلى احتمال أن المعارضين الوطنيين أصرُّوا على ثوابتهم فلن يملكوا غير الانسحاب، وسيفقدون البقية الباقية مما يجدون من تأييد دولي، كما أن كثيراً من السوريين قد وصلوا إلى حالة من الإرهاق والخذلان لم يتحمل مثلها إنسان قط، وهذا ما سيجعل مطلب إيقاف الحرب أولوية لاشك في كونها مطلباً رئيساً، وهي التي ستبرر أمام كثير من السوريين ما قد يكرهونه من تنازلات قاسية. ومع قناعتي بأن الحل السياسي هو المخرج الوحيد إلا أنني أرفض أن يأتي حل سياسي يجهض أهداف الشعب الذي قدم أكثر من مليون ضحية بين شهيد وقتيل ومعتقل ومفقود وأكثر من عشرة ملايين نازح ولاجئ ومشرد. وعلى الرغم من أن الثورة السورية أخفقت في الحسم لصالحها حتى الآن، وصار حجم الدمار الذي ألحقه النظام بالشعب وبالبنى السورية يفوق ما حدث في الحروب العالمية وقد فرغت سوريا من صفوة سكانها ولم يبق لهم سوى مفاتيح بيوتهم المهدمة، ولكن الثورة لم تنتهِ، وسيبقى السوريون وراء حقهم في الحرية والكرامة، وسيعود النازحون لبناء وطنهم، وللدفاع عنه وعلى كل السوريين الشرفاء ألا يذعنوا إطلاقاً لما يخطط لهم الآخرون، فهم أصحاب القضية وهم الذين دفعوا التضحيات الأسطورية، وإذا كانت العدالة الانتقالية تقضي بأن تتم مصالحة وطنية فهذا لا يعني أن يفلت من العقاب من دمروا سوريا وقتلوا شعبها وأهانوه وشردوه، وأن يعودوا قادة للمستقبل أيضاً، وأنا أطالب كل القوى السورية الوطنية باتخاذ موقف حازم وحاسم لا تنازل فيه عن حق الشعب في بناء دولة مدنية ديمقراطية تمنع إعادة إنتاج التسلط والاستبداد.