للمرة الثانية خلال شهر واحد يتم تأجيل اجتماع مجلس الدفاع العربي المشترك قبل يوم من الموعد المُقرر لعقده، وهو يوم 27 أغسطس المنصرم، حيث عُلم أن كلاً من المملكة العربية السعودية والجزائر والكويت قد تقدمت بطلب تأجيل الاجتماع المذكور. ورَشح أن قرار التأجيل قد تم اتخاذه نظراً لوجود تباينات من قبل بعض أعضاء مجلس الجامعة العربية على البروتوكول الخاص بتكوين القوة العربية المشتركة. ومعلوم أن قرار الجامعة الخاص بالمشروع كان اختيارياً وليس إلزامياً، وهذا ما يُفسّر عدم الاتفاق على البرتوكول المذكور. ومن معوقات نجاح مشروع القوة العربية المشتركة: - وجود دساتير وقوانين في بعض الدول العربية تحظر إرسال أبنائها من أفراد القوات المسلحة إلى خارج حدودها، وهذا مبرر كافٍ لرفض هذه الدول الموافقة على المشروع بأكمله. - أن الشكل اللوجستي للقوة العربية المشتركة كان محلَ نقاش بين رؤساء الأركان، حيث أطلت أسئلة كثيرة برأسها عند مناقشة هذا الموضوع: هل يمكن أن تكون القوة مقيمة في بلد واحد، أم أنها سوف تتجمع فقط عند الحاجة لها؟ وماذا عن التمويل، خاصة أن بعض الدول التي ستشارك بأكبر عدد من قواتها في هذه القوة قد لا تسمح ظروفها الاقتصادية بالمساهمة في التكاليف المالية لإعداد وتحريك القوات؟ كما أن هناك مجموعة أخرى من الأسئلة التي يُثيرها تشكيل هذه القوة وظروف عملها مثل: أ -لماذا ومتى تتدخل هذه القوة؟ (وهذا مبحث كبير ومتشعب لا تسمح المساحة بتناوله)، وهل ستتدخل بطلب من أية حكومة عربية لضرب القوى والجماعات المناوئة لها؟ وهل يمكن أن تساند نظاماً مثل نظام بشار الأسد في سوريا، والذي ما زالت بعض الحكومات العربية تعتبره نظاماً شرعياً، رغم ما يقوم به من قتل لشعبه؟ أم يمكنها التدخل لإسقاط النظام؟ وهل سيكون قرار تحرك هذه القوة بناءً على طلب من ممثل أي دولة عضو في الجامعة العربية، وهو الأسلوب الرسمي، أم أن قيادة القوة ستراعي وتحلل الموقف القائم في أية دولة، ثم تتدخل بناءً على ذلك التحليل؟ وماذا عن دور العلاقات العربية العربية، وما يعتريها من تقلب وفتور في أحيان كثيرة، وأثر ذلك على مساهمات الدول العربية في هذه القوة العسكرية المشتركة؟ وكما نعلم فإن هناك معوقات وعقبات داخل بعض الدول العربية تحول دون تدخل هذه القوة، رغم الحاجة إليها. فـ«حزب الله» في لبنان قد صُنف ضمن قائمة الإرهاب في بعض الدول العربية والأجنبية، وهو على غير اتفاق مع الحكومة اللبنانية، فهل لو حصل اشتباك بين عناصر الحزب وقوات الجيش والأمن اللبنانية، يجوز تدخل القوة العربية المشتركة لحماية النظام الشرعي في لبنان؟ وماذا لو دخلت قوات سورية إلى لبنان؟ وماذا أيضاً لو تجاوزت القوات الإسرائيلية الخط الأزرق؟ وهل يمكن لهذه القوة أن تتدخل في أي من الصومال أو السودان؟ وإلى ذلك فإن ثمة حالة بلدان تستوجب تدخل القوة العربية المشتركة، مثل: اليمن، وسوريا، العراق، وليبيا.. فهل ستتفق الدول العربية على ذلك، وعلى الكيفية التي سيتم بها، وتوقيته وأهدافه؟ ثم ماذا عن القرارات والمواثيق الدولية التي تحظر دخول قوات أجنبية في بلدان ذات سيادة؟ وماذا لو «استغاث» أي نظام بمجلس الأمن الدولي جَراء تدخل هذه القوة؟ وماذا سيكون عليه موقف الجامعة العربية أو قيادة هذه القوة؟ وكانت القمة العربية التي التأمت في منتجع شرم الشيخ في مصر، في شهر مارس من العام الجاري، قد أقرت مشروع تشكيل قوة عربية مشتركة بهدف التدخل السريع والقضاء على النزاعات في الدول الأعضاء في الجامعة العربية، وبهدف حفظ أراضيها وسيادتها وحماية استقلالها الوطني. وكان السؤال الكبير المثار من ذلك الوقت وإلى الآن: من سيستفيد من القوة العسكرية العربية المشتركة المقترح إنشاؤها؟ وهل ستكون تدخلاتها على غرار العمليات التي تقوم بها قوات حفظ السلام الدولية؟ وطالما أن الجامعة العربية تمثل الحكومات، أليس من المنطقي أن تتدخل القوة العسكرية العربية المشتركة لمساندة الحكومات بالدرجة الأولى؟ أعتقد أن الظروف التي تمر بها الأمة العربية، والنزاعات الدائرة في بعض بلدانها، والعلاقات المتوترة بين بعض الدول العربية.. كل ذلك لا يسمح بولادة هذه القوة. كما أن التاريخ يشهد على «سقوط» معظم أو كل المشاريع العربية المشتركة البسيطة، فما بالك بقوة تحتاج إلى تسليح وتمويل بما يعادل ميزانيات دول! ثم أليس من الوارد أن يتم ارتهان هذه القوة للإرادة السياسية في بلد عربي دون بقية البلدان العربية الأخرى؟ الحديث عن مشروع القوة العربية المشتركة يعيد إلى البال مصير «الهيئة العربية للتصنيع الحربي»؛ فأين ذهبت هذه الهيئة؟ وماذا صنعت خلال أربعين عاماً؟ الجواب على هذا السؤال يحدد مستقبل القوة العربية المشتركة، والتي واجهت تساؤلات مبكرة قبل ولادتها!