«العراق كوميديا إغريقية تنتهي بتراجيديا». هذه العبارة التي قالها الكولونيل وليام ميفيل، قائد فوج الاحتلال الأميركي في محافظة كركوك افتَتَحت أحد فصول كتاب «الانحلال» The Unravelling. العنوان الثانوي للكتاب «الآمال الراقية والفرص الضائعة في العراق»، ومؤلفته «إيما سكاي» مندوبة الاحتلال البريطاني في كركوك، تحلُّ الأسرار والوقائع الهزلية المأساوية للاحتلال. ومعارفها العراقيون، وهم كُثرُ، يدمجون اسمها ولقبها فيسمونها «إيماسكاي»، وهي تدمج الكوميديا والتراجيديا في حديثها عن عراقيين معروفين عالمياً، وغير معروفين. وحتى لو كنتَ ممن ناهضوا الاحتلال وتوقعوا كوارثه تصعقَكَ عند قراءة الكتاب لامبالاة الغزاة بالعراق والعراقيين. «إيماسكاي» أرسلتها حكومة «بلير» لإدارة محافظة كركوك دون أي تعليمات أو معلومات، سوى أن هناك من يستقبلها في مطار البصرة، وتأخذها طائرة عسكرية إلى كركوك. ولم يكن هناك من يستقبلها، ولا طائرة. وكان عليها أن تتدبر نفسها سنتين عبر أهوال البلد، حتى صَحَت إدارة الاحتلال لواقع فقدان قدرتها على وقف انهيار العراق، وانغمر موظفوها بـ«الشرب وعدّ الأيام المتبقية للمغادرة». وشهدت «إيماسكاي» أحداثاً هزلية كبرى، مثل تنصيب غازي الياور أول رئيس موقت للعراق. وبعد الاحتفال بتنصيبه في كركوك، في حاوية، وليس في مبنى المحافظة، لأسباب أمنية، غادر «الياور» وحاكم الاحتلال «بريمر» في مروحيتين منفصلتين. وحالما حطّت مروحية «الياور» انهدّ «بكلام مسموم عن مروحيته من غير أبواب، والريح تعصف بعقاله، وتُشَّعث عباءته بالكامل. وصرخ فينا عن المهانة التي نزلت، ليس بشخصه بل برئيس العراق». وعندما توجهت «إيماسكاي» لاحقاً لمكتبه للاطمئنان عليه، قيل لها «الرئيس يعاني بسبب الرحلة من أوجاع في ساقيه، وصعوبة في السمع، ومشاكل في الجيوب الأنفية، ويرفض الإجابة على أي مكالمة هاتفية»! والكتاب منجم مواضيع مسرحية وسينمائية؛ فالقسم الأول منه مكرس للصراعات حول كركوك التي تضم، حسب شهادتها، 40% من نفط العراق، ونحو 7% من النفط العالمي. وتندب «إيماسكاي» حظ كركوك، التي تعتبر ثالث أقدم مدينة في التاريخ، وحظ معارفها من زعماء العرب والتركمان والآشوريين، الذين اغتيلوا. خطة «الوضع الخاص لكركوك» التي أعدّتها «إيماسكاي» تبنتها إدارة الاحتلال، ورُفعت إلى «الأمم المتحدة»، ولم يُسمع عنها بعد ذلك! والسهرة مع زعماء الأكراد في منتجع «بحيرة سد دوكان» مسرحية هزلية قائمة بذاتها. كميات الشراب كانت كافية لهجوم الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني على «إيماسكاي» واتهامها بالوقوف مع العرب ضد الكرد، مثل «المِس بِل» التي أسست دولة العراق الحديث مطلع القرن الماضي، وألحقت بها كردستان! وعندما استدعت «إيماسكاي»، المستعربة وخريجة أكسفورد، تفاصيل التاريخ، انسحب حاكم الاحتلال «بريمر»، لجلب صحن حلويات. «كان يشعر بتعب شديد عند الحديث عن تاريخ العراق»! واستعطفها برهم صالح، الذي أصبح رئيس وزراء كردستان: «أنتم البريطانيون أعطيتموني تعليماً، وجوازاً، واعطوني الآن كركوك»! والقسم الثاني لكتاب «الانحلال» مكرس لمأساة هدر مليارات الدولارات، وآلاف الأرواح على ما سُميتا «الهّبة» و«الصحوة». وكان الجنرال «أوديرنو» المسؤول عن «الهّبة» قد استدعى «إيماسكاي» لتصبح مستشارته. وخزين الفكاهة آنذاك المالكي، وطاقمه الذي يضم أقوى شخصية في إدارته، مستشارته المقربة الدكتوره باسمه الجادري، التي تُخبر «إيماسكاي» أن «المالكي» استوضحها عما يرد تحت شريط الأخبار في الفضائيات «رجال يبحثون عن نساء، ونساء يبحثن عن رجال». وتشرح لها «إيماسكاي» كيف يتم ذلك، وأنها جربته. وتسألها ما إذا كان ممكناً «أن يزوجها المالكي، حسب التقاليد العربية، لشخص يساعد على تحقيق المصالحة»، فتنفجر «الجادري» بالضحك، وتقول: «إذا طرحتِ الموضوع على المالكي، اختاري لي حارث الضاري»!