كانت الثورة الإيرانية عامي وقوعها أو اندلاعها 1978 -1979، من أهم أحداث القرن العشرين . وعندما تمكنت من تحقيق التغيير الذي تريده، لم يكن الكثيرون يتوقعون لها مصيرها المنعزل المتناقض الحالي، حيث تحولت إلى قوة قمعية في الداخل، وانهمكت في عمليات تدخل خارجية من كل لون، بل وطعنت مبادئ ثورتها طعنة نجلاء عندما وقفت في وجه إرادة الشعب السوري وسعيه نحو الحرية والديموقراطية. الكثير منّا عاصر أحداث تلك الثورة عندما انطلقت في مختلف المدن الإيرانية وزحفت بملايينها في الشوارع متحدية كل أنواع القمع والمنع، وكان الإعلام العربي يتحدث قبل وقوعها عن نظام الشاه وقمع «السافاك» للمعارضة الإيرانية وتقارب الرئيس السادات مع إسرائيل والشاه وتبني الحلول السلمية، وكل ما اعتبرته النخبة الإعلامية يومذاك جملة من الكوارث «المهادِنة» المستسلمة» التي ستقدم المنطقة «على طبق من فضة» للولايات المتحدة وقوى الاستعمار الجديد. ولفرط مدى تلك «الظلمة الحالكة» في الواقع العربي، بعد حرب أكتوبر 1973 وعبور القناة والتي أدت إلى السلام و«الاستسلام»، كما اعتبرها خصوم السادات، بدت الثورة الإيرانية ومضة نور خارقة وصاعقة شديدة القوة واللمعان تعصف بنظام الشاه والأميركان، وقلباً شاملاً للطاولة والموازين ضدهما، وإعادة بعث لروحية التمرد والرفض في المنطقة كلها. أجواء «الثورة» جاءت الثورة في مرحلة من اليأس، كانت ثورة جماهيرية ترتكز إلى العواطف الدينية الإسلامية والشعارات الوطنية والراديكالية المثارة في إيران منذ ثورتها الأولى عام 1905 مروراً بعهد رئيس الوزراء «مُصدق» التي أدت إلى خروج الشاه من البلاد ووقوع انقلاب أميركي لإعادته. وبدت الثورة حتى في عقيدتها وشعاراتها مستوعبة لبعض الأطروحات اليسارية في عهد كانت هذه الأفكار تكتسح العالم الثالث وقوى المعارضة، بل وحتى بعض الأحزاب الشيوعية والاشتراكية الكبرى في أوروبا الغربية مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال. واستمرت الثورة في غليانها لعام كامل قبل أن تحقق هدفها، مستفيدة طوال الوقت من النقل التلفزيوني ونشرات الأخبار ومن الصحافة والخطابة، ومن الراديو وأجهزة التسجيل النقالة، وبالطبع من الصحافة والمنشور. وبهذا اتسع تأثيرها إلى كل أنحاء العالم العربي والإسلامي والمنطقة الخليجية والعراق خاصة، وتجاوزت أفكارها الإطار المذهبي الذي لم تبرزه الثورة كثيراً، والذي لم يكن العالم العربي مستوعباً له ومتعمقاً في فهمه ومدركاً لأبعاده. كانت إيران، بعكس ما أوحت هذه الثورة عام 1979، وعلى امتداد قرن كامل، على خلاف وعلاقات مضطربة مع العالم العربي. وقد بدأت هذه الخلافات في الأزمنة الحديثة بمشاكل الحدود والصراع بين القاجاريين ومن قبلهم الصفويين إزاء الدولة العثمانية، ولما بدأت الدولة الوطنية الإيرانية الحديثة مع رضا شاه بهلوي كانت تلك بداية دولة الملك فيصل الأول في العراق. وفي عهد الشاه في خمسينيات وستينيات القرن برزت الناصرية والقومية العربية، وحتى عندما سقط الشاه طغت الخلافات السياسية والعسكرية بين إيران في عهد آية الله الخميني والرئيس صدام حسين. وفيما نظرت دول عربية كثيرة في الشام ومصر وشمال أفريقيا إلى الثورة الإيرانية وقيادتها الدينية نظرة حالمة مثالية، بدأت في العراق والمنطقة الخليجية حسابات وحساسيات أخرى، لا تزال في تزايد واستمرار. فرص ضائعة كانت الثورة الإيرانية منذ انطلقت حتى اليوم ثورة الفرص الضائعة بل والإضرار بالنفس في بعض الأحيان، وكان بيد «الجمهورية الإسلامية الإيرانية» أن توظف كل هذا التعاطف والتجاوب والالتفاف الجماهيري في الداخل والخارج، لبناء دولة عصرية مسالمة، ذات مكانة سياسية واقتصادية ودولية راسخة، ولكنها بالطبع لم تفعل، بل سارت عكس هذا كله. ولاشك أنها لا تزال دولة مهمة كبرى بالمقاييس الإقليمية والخليجية والسكانية والعسكرية وغيرها، ولكن كان بيدها أن تكون أضعاف ما هي عليه الآن، وأن يكون شعبها أكثر رفاهاً وسمعتها الدولية أفضل بكثير مما هي اليوم. كان عليها في البداية عام 1979 مثلاً أن تكسب ثقة جيرانها الخليجيين والعرب، إضافة إلى الثقة الدولية، وأن تبدي كل ما تستطيع من حكمة ومرونة في تفهم المخاوف الطائفية وما في تراث النظام السابق من أحلام إمبراطورية وتوجهات استعلائية زرعت المخاوف والشكوك من إيران الملكية وسياسات الشاه. ولم تنتبه إيران إلى ضرورة إنهاء «الثورة» بعد إسقاط تلك السلطة وبناء «الدولة» على أسس جديدة. ولهذا تبنت سياسة تصدير الثورة وحاولت تحريك المشاعر الطائفية بل والتدخل السري والعلني في العديد من الدول وبخاصة البلدان الخليجية والعراق ولبنان، مما أثار مخاوف لا حصر لها. وأتاحت هذه السياسة لنظام صدام حسين في العراق أن يشعل حرباً إقليمية دامية استفاد منها الطرفان في دعم نفوذهما، ثم ما لبثت أن ألقت بظلالها القاتمة على سائر مجالات الحياة، ودمرت إمكانيات البلدين ونشرت البؤس والخراب في مختلف المناطق الحدودية، وفجرت المخاوف الطائفية والعرقية في المنطقة الخليجية والعربية، وبخاصة بعد امتداد الحرب لثماني سنوات. وأذكر شخصياً أن المؤتمر الإسلامي في الكويت عرض في السنوات الأخيرة من الحرب على إيران خاصة إيقاف الحرب مقابل دراسة حاجاتها وطلباتها المالية وإحلال السلام في المنطقة، غير أن المسؤولين في إيران صرحوا بأنهم لن يستمروا في الحرب حتى النهاية فحسب، بل سيعملون ما بوسعهم لتخريب هذا المؤتمر وإفشال محاولاته. وعندما اضطرت إيران إلى إيقاف الحرب مع العراق بعد ذلك بقليل، أوقفتها في أسوأ مراحلها بالنسبة للقوات الإيرانية، وفوتت على نفسها وشعبها فرصة عظيمة للتقبل الخليجي والعربي، وربما لعزل نظام صدام حسين. فرصة خاتمي سنحت الفرصة الثانية لانتشال إيران من هذا «الإدمان الثوري» في ظل الرئيس محمد خاتمي الذي كسب الكثير من التعاطف الشعبي والإقليمي، وترجمت كتبه وأفكاره وقرأ الكثيرون مؤلفاته بعد انتخابه رئيساً للجمهورية عام 1997، عندما هزم «علي أكبر ناطق نوري»، المؤيد من المؤسسة الدينية ومن مرشد الثورة الأعلى، آية الله خامنئي. كان الرئيس محمد خاتمي أحد أبناء الثورة ممن تعاطف معها وعمل من أجلها وتولى بعض المناصب في الجمهورية الإسلامية. وكان قد درس الفقه والفلسفة، والثقافات الأجنبية، كما كان يتقن الألمانية والعربية ومن مؤيدي حوار الحضارات. ولكن القوى الدينية والراديكالية المتزمتة حاصرته في النهاية وحرمته من إنجاز أية إصلاحات مؤثرة. الاستقرار الغائب وجدت الجمهورية الإسلامية منذ البداية صعوبة في أن تتحول إلى دولة مستقرة على كل صعيد، ففي جوفها تتصارع ثلاث قوى تجرها في اتجاهات مختلفة. فهناك أولاً المطالب المعيشية والتنموية والاقتصادية والسياسية والسكانية لدولة كبرى مثل إيران بشعبها المقارب للثمانين مليون نسمة، وما يحتاج هؤلاء من دخل وفرص عمل وخدمات وغير ذلك. وهذه كلها تفرض على القيادة شيئاً من واقعية التفكير والحرص على الاستقرار والعلاقات الإقليمية والدولية الطبيعية. وهناك ثانياً ضغوط الثورة الإسلامية باعتبار إيران «محركة» لها منذ 1979، بعض النظر عن مذهب هذه الدولة الإسلامية أو تلك. ولا شك أن مثل هذا الدور يتطلب من إيران مؤهلات مذهبية وسياسات وتوجهات لا تستطيع الجمهورية الإسلامية الإيفاء بها، بسبب الحقائق الدستورية والمذهبية، إذ تنص المادة 12 من هذا الدستور على أن «الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب هو المذهب الجعفري الإثني عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير». ويمتد الشرط المذهبي إلى رئاسة الجمهورية، فتنص المادة 115 من الدستور على ما يلي: المادة الخامسة عشرة بعد المئة يُنتخب رئيس الجمهورية من بين الرجال المتدينين السياسيين الذين تتوافر فيهم الشروط التالية: 1- أن يكون إيراني الأصل ويحمل الجنسية الإيرانية. 2- أن يكون قديراً في مجالس الإدارة والتدبير. 3- أن يكون ذا ماض جيد. 4- أن تتوافر فيه الأمانة والتقوى. 5- مؤمناً ومعتقداً بمبادئ جمهورية إيران الإسلامية والمذهب الرسمي للبلاد. وهكذا، فإن ما يؤهل أي مواطن إيراني مثلاً لتولي منصب رئاسة الجمهورية الإيرانية ليس اعتناقه للدين الإسلامي فحسب، بل ولا انتمائه للأصل الإيراني وحمل جنسية البلاد، ولا تشفع له مؤهلاته الإدارية أو سجله الناصع وماضيه المجيد في مختلف المهام التي أوكلت إليه، ولا تنفعه الأمانة والتقوى مهما بلغا، بل وحتى الإيمان والاعتقاد بمبادئ جمهورية إيران الإسلامية، بل لابد أن يكون مؤمناً ومعتقداً بـ «المذهب الرسمي للبلاد». فالعامل المذهبي هو ثالث القوى التي تتصارع في جوف هذه الجمهورية، حيث يجرها البحر الإسلامي العام في اتجاه، والمذهب الرسمي في اتجاه قد يكون مختلفاً كما هو الحال في أحيان كثيرة. ومما يدعم هذا التميز كذلك الطبيعة القومية للنظام من لغة وثقافة ومشاعر قومية نراها طاغية في الحياة العامة والسياسية الخارجية وغيرها، وفي تناقض مع الأيديولوجية الدينية. يقول الباحث محمد جمعة، الخبير في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية في دراسة بدورية «السياسة الدولية»: «قد يكون حزب الله حزباً لبنانياً، ولكنه شيعي في بلد نظامه السياسي قائم على المحاصصة بين الطوائف، أي أن التزامه الأساسي كحزب وكحركة سياسية واجتماعية أمام جمهور من الشيعة، يدينون بدورهم بالولاء للولي الفقيه في طهران. وقد كان لهذه الحقيقة دور مركزي في ضبط بوصلة سلوك الحزب لتتوافق والسياسة الإيرانية، سواء فيما يخص صراع القوى بينها وبين الدول التي تدعم المعارضة السورية المسلحة، وعلى رأسها السعودية، أو على صعيد إدارة أزمة البرنامج النووي الإيراني مع الغرب وإسرائيل». سياسات «حزب الله» ويضيف الخبير جمعة قائلاً: «على صعيد الملف السوري، وبعد نقاش داخل الحزب، ربحت الأيديولوجيا، واتخذ الحزب قراراً استراتيجياً بالانخراط في الصراع السوري الداخلي، لأسباب، على رأسها الكفاح ضد الحرب الجديدة التي يخوضها ما يسميه «المحور السني» ضد أهم حليف لطهران في المنطقة، وهو نظام الأسد. إذ رأى الحزب أن معركة سوريا الحالية هي معركة وجود ليس لنظام الأسد فحسب، بل لكل حلفاء إيران من الشيعة في كل المنطقة العربية، وأنه في حال لم يشارك الحزب في القتال داخل سوريا، دفاعاً عن حليفه النظام السوري، فإنه سيضطر في حال سقوط الأخير، للقتال في لبنان ضد العدو نفسه». وتُنزل الجمهورية الإسلامية جماعات وأحزاب الإسلام السياسي وفق رؤى السلطة وأيديولوجيتها ومصالحها وعمق الارتباط بها، منازل مختلفة، كما في فلسطين مثلاً. فجماعات الإخوان المسلمين ليست واحدة في علاقاتها مع إيران. الورقة الفلسطينية ويلاحظ الباحث نفسه اختلاف التعامل الإيراني مع تنظيم «حماس» من جانب و«الجهاد» من جانب آخر رغم تبني الجماعتين للتوجه الإسلامي. وقد مرت العلاقة بين إيران و«حماس» بمرحلة دقيقة بعد خسارة «الإخوان» للسلطة في مصر وتعقد الملف السوري. فقبل أن تستوعب «حماس» التحولات الجديدة جاءت ثورة 30 يونيو لتطيح بالنظام «الإخواني» في مصر، تاركة «حماس» في وضع صعب. ورغم تأكيد بعض المصادر لاستئناف المساعدات الإيرانية لـ«حماس»، فإن الكثير من الشكوك لا تزال مثارة في إمكانية عودة العلاقات سريعاً إلى دفئها القديم. وحتى بافتراض عودة الدعم الإيراني كاملاً للحركة، يقول الخبير جمعة: «فقد بات وصول هذا التمويل إليها صعباً للغاية، نظراً للظروف الأمنية السائدة في سيناء وسوريا وكذلك لبنان. وعلى ضوء ذلك، ربما تتخذ حماس، في وقت قريب، قراراً بكسر التهدئة مع إسرائيل، إذ تدرك الحركة أن استمرار الهدوء بينها وبين الأخيرة لا يفيد علاقاتها بطهران، ولا يؤدي إلا إلى تعزيز مواقع منافسها الأقرب، الجهاد الإسلامي، وربما حركة «فتح». وعلى عكس حركة «حماس» تتميز حركة الجهاد بتلاق فكري أعمق مع التوجه الثوري الإيراني. وقد جاء على لسان الأمين العام للحزب رمضان شلّح، خلال محاضرة له في الثمانينيات، أن «الشيعة جزء من المسلمين، وأن تكفيرهم داخل الحركة الإسلامية موقف طارئ يهدف منه الغرب إلى التفرقة بين المسلمين، وأنه لا يجوز التفرقة بين المسلم السني والمسلم الشيعي». التركيز على «الجهاد» وكانت الثورة الإيرانية قد ألهمت مؤسس حركة «الجهاد»، د. فتحي الشقاقي، فقام بتأليف كتابه «الخميني: الحل الإسلامي والبديل» عام 1979، إعجاباً منه بالتجربة. وبعد عودته إلى فلسطين، أسس «حركة الجهاد الإسلامي» مستلهماً نموذج الثورة الإيرانية. ويرى البعض أن حركة «الجهاد» بالنسبة لإيران جزء من المؤسسة الحكومية الإيرانية، ومكانتها مكانة «حزب الله»، ولكن أحدهما سُني، والآخر شيعي. والآن، ما تأثير الانفتاح الإيراني - الأميركي في تحديد الملامح الجديدة للعلاقات الإيرانية - الفلسطينية؟ وهل ستدير ظهرها لفصائل المقاومة رغم أهمية هذه الورقة في النفوذ الإيراني؟ وكيف ستوظف هذه الورقة ضمن الترتيبات الجديدة؟ هذه كلها أمور مؤجلة لبعض الوقت، وستتبين تفاصيلها مستقبلاً. ما مستقبل العلاقات العربية الإيرانية في ظل الاتفاق النووي؟ تناقضات إيرانية يمكننا موافقة حتى المتشائمين من المراقبين بشأن أمن الخليج في الرؤية الإيرانية والتي يعتبرونها «معضلة متجددة، حيث تتميز في بعض الأحيان بالتناقض»، كما يرى د. أشرف كشك، الباحث المتخصص في مركز البحرين للدراسات: «ففي الوقت الذي تشهد فيه تلك العلاقات العديد من التوترات بسبب بعض القضايا الخلافية، نلاحظ أن هناك علاقات اقتصادية متميزة بين إيران وبعض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبالتالي تثار تساؤلات عديدة منها: ما هي محددات الرؤية الإيرانية لأمن منطقة الخليج العربي؟ وهل شهدت تلك الرؤية الإيرانية لأمن المنطقة تغيراً عقب توقيع الاتفاق النووي المؤقت بين إيران ومجموعة 5+1 في 24 نوفمبر 2013؟». ويكتشف د. كشك تناقضاً مثيراً في هذا المجال قلما يلتفت إليه أحد! فالمادة 154 تقول «إن جمهورية إيران الإسلامية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية نقطة من العالم، وفي الوقت نفسه لا تتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى»، فكيف يتحقق هدف نُصرة المستضعفين في الأرض دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول؟ ورغم تجدد المشاكل بين إيران ودول مجلس التعاون وتفوق هذه الدول على إيران اقتصادياً، فإن دول المجلس لم تترجم تلك القوة إلى قوة ردع حقيقية، «قوة موازنة» يمكنها أن تواجه بها، سواء إيران، أو أي قوة إقليمية تستهدف تهديد أمنها». وتعلن إيران أن أمن الخليج العربي مسؤولية دول الثماني المتشاطئة، أي دول المجلس بالإضافة إلى العراق وإيران، بما يعني رفض القوى الأجنبية. وقد دعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في مقال له بصحيفة الشرق الأوسط في 2013/11/21 تحت عنوان «جيراننا أولوياتنا» إلى تشكيل يضم دول المنطقة الثماني لتنظيم التعاون بينها. وتركز المقترحات الإيرانية عادة في هذا المجال على «التعاون الدفاعي دون الأمن التعاوني»، وأهم مقوماته بناء الثقة. كما أن المقترحات الإيرانية، يضيف د. كشك، تتجاهل المشكلات المعلقة بين دول مجلس التعاون وإيران والتي تعد تسويتها متطلباً رئيسياً لأي صيغ تعاونية مستقبلية، وأخيراً تتضمن هذه المقترحات دعوة إيران إلى رحيل القوات الأجنبية من دول مجلس التعاون، «مع أن مجيء تلك القوات قد ارتبط ببعض الأزمات الإقليمية التي كانت إيران طرفاً رئيسياً فيها، فضلاً عن أن تلك القضية من صميم أمن وسيادة دول مجلس التعاون على أراضيها، بل إن إيران ذاتها لديها ارتباطات أمنية خارج منطقة الخليج العربي». تدخلات سافرة وفي رصد لسياسات إيران تجاه دول مجلس التعاون، يلاحظ الباحث أن حالات التدخل بلغت خلال عامي 2011-2012، اثنتين وثلاثين حالة فيما بلغ عدد حالات التدخل الإيراني في شؤون البحرين وحدها 42 حالة، علماً بأن دول مجلس التعاون لم تبدأ بتصريحات معادية لإيران، وإنما كانت دائماً في موقف المدافع عن النفس إزاء التدخلات. ويمكن القول باختصار، إن دول مجلس التعاون لا تعارض في الواقع الدور الإقليمي لدولة في حجم إيران، انطلاقاً من حقائق الجغرافيا وحسابات أخرى، «إلا أن مثل هذا الدور يتعين أن يُؤسس على إجراءات بناء الثقة، وأول مؤشراتها ضرورة إنهاء الفجوة بين الأقوال والأفعال في السياسة الإيرانية، خاصة فيما يتعلق بالكف عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون». التصالح مع «الشيطان» وهذا ما أبرزه بوضوح ودقة الإعلامي المعروف عبدالرحمن الراشد في يوليو الماضي اثر الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية فقال: «نحن لسنا ضد الاتفاق مع إيران، وبالتأكيد لسنا ضد رفع العقوبات، ولا ضد المصالحة الغربية مع إيران. بل هذا يصب في مصلحتنا، ويبرهن للشعب الإيراني والعرب أن كل ما كان تقوله طهران في السنوات الثلاثين المنصرمة تناقضه اليوم بسعيها للتصالح مع الشيطان الأكبر. والأهم لنا أنه ينهي التوتر والصراع المستمر بيننا وبين إيران في منطقتنا منذ القرن الماضي. كلنا تعبنا ونريد نهاية تعود بالخير على الشعبين الإيراني والعربي دون إذلال أو آلام. بكل أسف، الاتفاق الذي تم التوصل إيه يحقق لنظام رجال الدين في إيران كل أمانيهم. أولاً، بموجبه تحتفظ بقدراتها النووية مع توقف عشر سنوات فقط عن التخصيب النووي المكثف. ثانياً:إيران تُركت حرة تمارس مغامراتها ودعمها للجماعات المتطرفة، ولا توجد في الاتفاق آلية أو التزامات لحماية المنطقة من الأيام المقبلة، سوى النوايا الإيرانية الحسنة. ما نخشاه أن الاتفاق عزز من نفوذ الصقور في طهران، وبالتالي سيؤجل لعقد أو عقدين أي انتقال إيجابي في داخل النظام أو من خارجه». قلة من الكتاب والمحللين العرب نظرت بتفاؤل إلى الاتفاقية النووية، والكثيرون نظروا إليها بارتياب شديد، مما يعكس مخاوف متراكمة في العلاقات العربية الإيرانية. فالسيدة «هدى الحسيني» أعلنت صراحة في نفس الصحيفة أن «الاتفاق الإيراني لن يجلب السلام وسيطلق سباق تسلح نووي. إن إيران لن تغير من أهدافها النووية، ثم إن دول المنطقة لم تتفاوض مع إيران، بل أميركا والغرب والصين وروسيا». يظن الكثيرون أن تنظيم «حزب الله» كفكرة وليد ظروف الحرب الأهلية اللبنانية أو التركيبة الطائفية فيها، والواقع أن فكرة التنظيم بدأت في إيران وبخاصة بعد نجاح الثورة عام 1979، ثم جرى تبني الإطار السياسي وأساليب التحرك والأفكار اليمينية المتعصبة ضد الحريات، وتم إعدادها لتناسب الظروف الطائفية في الدول العربية والخليجية. وتؤكد المراجع والأبحاث المتعلقة ببدايات الثورة الإيرانية أن مجموعات «حزب الله» هذه اعتمدت على الكثير من رجال الدين في المناطق الريفية الفقيرة، وكان السيد هادي غفاري على رأس جماعة «حزب الله» التي عرفت بهذا الاسم، لأنها كانت في هتافاتها خلال تجمعاتها ومسيراتها تعلن ولاءها الراسخ للثورة الإسلامية ولزعيمها «روح الله الخميني» وتهتف «الحزب فقط حزب الله، والمرشد فقط روح الله»، وكان الحزب يضم جماعات العنف وحملة الهراوات ويسمون بالفارسية «جماقداران» وذلك لفض اجتماعات واحتجاجات خصوم الثورة وتحطيم مقرات تجمع المرأة والمعارضين والمثقفين. كانت نشاطات «حزب الله» وراء احتلال السفارة الأميركية واستقالة أول رئيس وزراء بعد الثورة د. مهدي بازركان، وكذلك «تطفيش» الليبراليين وتصفية اليساريين، وإلغاء المدارس المختلطة وفرض لبس الحجاب بشكل إجباري وشامل وإخضاع الأفلام والحياة الثقافية لرقابة دينية صارمة. وكانت هذه المجاميع تنشط آنذاك تحت اسم «حزب الله طهران» حتى عام 1983 وظهرت مراراً خارج إيران وبخاصة «حزب الله» بعد تحطيم وإقصاء وتهميش حركة أمل في حرب داخلية دامية، حيث بدأ تدخل الثورة الإيرانية في لبنان بعد عام 1979 مباشرة في بعلبك والجنوب. «حزب الله» الكويتي يرى الباحث صلاح محمد عيسى الغزالي في كتابه عن «الجماعات السياسية الكويتية في قرن»، الصادر عام 2007 أن «حركة مسجد شعبان» خلال السنة الأولى من نجاح الثورة الإيرانية، والتي رفعت مجموعة مطالب مذهبية خاصة بالطائفة الشيعية، «هي النواة الأولى لنشأة حزب الله في الكويت، لذلك شهدت الكويت ما بين عام 1980 - 1988 ضغطاً شيعياً كبيراً، قام به أفراد وجماعات من المتشددين الشيعة، وقد لقي هذا تعاطفاً من عموم الطائفة الشيعية بسبب موقف الحكومة الكويتية غير المبرر - بوجهة نظرهم - مع النظام العراقي» [ص358]. وجرت نتيجة ذلك عدة حوادث وتفجيرات، وظهرت أسماء لمنظمات غير معروفة وراء تلك العمليات مثل «طلائع تغيير النظام للجمهورية الكويتية» و«صوت الشعب الكويتي الحر» و«منظمة الجهاد الإسلامي» و«قوات المنظمة الثورية للرسول محمد في الكويت»، ويذهب البعض للاعتقاد بأن هذه الأسماء الوهمية هي لتنظيم «حزب الله الكويت»، بينما يرى آخرون أن من قام بتلك العمليات هو «حزب الدعوة الإسلامية» العراقي، والمدعوم من إيران لإسقاط البعث العراقي. وبعد تحقيقات امتدت أكثر من أسبوعين، كشفت النيابة العامة يوم 2-9-2015، أنها أحالت إلى محكمة الجنايات يوم أمس ملف قضية «العبدلي» المسلحة، مبينة أنها وجهت في تلك القضية إلى 25 مواطناً إضافة إلى مقيم إيراني، تهم السعي إلى التخابر مع إيران و«حزب الله» للقيام بأعمال عدائية ضد الكويت. وقالت النيابة في بيان لها إن التحقيقات مع المتهمين في قضية خلية «العبدلي» كشفت جلبهم وتجميعهم وحيازتهم «مفرقعات ومدافع رشاشة وأسلحة نارية وذخائر وأجهزة تنصت بغير ترخيص بقصد ارتكاب جرائم بواسطتها»، موضحة أنها وجهت إلى عدد منهم تهمة الانضمام والدعوة للانضمام إلى جماعة «حزب الله» التي غرضها «نشر مبادئ ترمي إلى هدم النظم الأساسية بطريقة غير مشروعة والانتقاض بالقوة على النظام الاجتماعي والاقتصادي في البلاد» [الجريدة 2-9-2015]. إن العدالة الكويتية ومؤسسات الكويت القانونية مشهود لها بالنزاهة والدقة واتباع أدق الوسائل القانونية، وقد تم تحديد جلسة 15 الجاري لانعقاد أولى جلسات محاكمة أولئك المتهمين، والذي سينطق فيه في اليوم ذاته بالحكم في قضية المتهمين بتفجير مسجد الإمام الصادق.