المواطن الكندي (X)، اليهودي الديانة، تاجر مقتنيات أثرية كما يصف نفسه في صفحته الشخصية، وقد نشرت له إحدى كبريات الصحف الكندية الأسبوع الماضي حديثاً مطولا أشفعته بصور وتعليقات من بعض المتابعين. تبدأ القصة بنشر (X) نداءً في صفحته لأهل الخير والإنسانية طالباً التبرع لدعم صندوق خيري أسسه لفداء الفتيات العراقيات والسوريات الأسيرات لدى تنظيم «داعش»، راوياً بعض القصص التي تُدمي القلوب عن الأحوال الإنسانية لتلك الفتيات. نداء الاستغاثة الذي أطلقه (x) قاد إلى اتفاق عملي، بواسطة وسطاء على اتصال بـ«داعش»، يقضي بدفع مبلغ خمسة آلاف دولار أميركي عن كل أسيرة زُوّجت أو بيعت في سوق الرقيق. يقول الرجل إنه لم يفرق بين يهودية أو مسلمة أو مسيحية أو إيزيدية.. فالكل بالنسبة له بشر وإخوة في الإنسانية. وذكر أنه حتى ساعة حديثه للصحيفة كان قد تمكن من تحرير عشرين فتاة أعمارهن بين الثامنة والخامسة عشرة وأن هدفه في المرحلة الأولى تحرير مائة فتاة، مما يتطلب جمع تبرعات بخمسة ملايين دولار. كيف توصل المواطن الكندي (X) إلى «داعش» وعقد معها هذا الاتفاق؟ يقول إنه بحكم مهنته كتاجر مقتنيات أثرية وسيارات قديمة، له علاقات عمل مع «داعش»، دون أن يذكر شيئاً عن الآثار التاريخية التي باعتها «داعش» للصوص الآثار، تلك التجارة التي بدأت مع الغزو الأميركي للعراق وبقية القصة معروفة! ما أن نشر المواطن الكندي (X) قصته حتى انهالت عليه التعليقات والتبرعات. لكن ما أحزنني حقاً أن معظم المعلقين والمتبرعين أجمعوا على أن السلوك الهمجي لـ«داعش»، يعود إلى المسلمين، وإن كان لأقلية توصف بـ«المتشددين»، رياءً وكذباً -كما قالوا- لأن الوحشية والبربرية هي أصلاً متجذرة في نفوس المسلمين تاريخياً، كما زعموا! ويستطيع المرء أن يكتب كتباً وليس مقالات عن سماحة الإسلام ورحمة نبيه (صلى الله عليه وسلم) الذي بعثه الله رحمة مهداةً للعالمين.. ويستطيع الرد على أولئك الذين سودوا تعليقاتهم، بأن هذا التهجم على الإسلام والمسلمين هو أيضاً متجذر في تاريخ ممتد من العداء للإسلام.. لكن كيف يفهم المسلم التقي هذا الإجرام الذي يمارسه «داعش» حتى ضد المسلمين أنفسهم؟! آثار الحرب التي يشعلها «داعش» وأخواته في العراق وسوريا واليمن والصومال ونيجيريا.. تجاوزت الحرب بالسلاح والقتل بقطع الرؤوس، إلى اغتيال الإسلام نفسه، حيث أعطت أعداءه سلاحاً أشد فتكاً وضرراً من الرصاص والقنابل. وستظل قناعتي أن ما نسميه الإرهاب والتشدد اللذين يمارسهما هؤلاء المجرمون، إنما هما مؤامرة مدفوعة الأجر، ومن خلفها قوى كانت وستظل تبطن الكراهية للإسلام وتسعى لتفتيت وتقسيم الوطن العربي إلى دويلات لإحكام سيطرتها على ثرواته وموقعه الجغرافي وقواه البشرية. وسط هذا الجو الكئيب الذي أثاره نداء المواطن الكندي (X) تبدو بارقة أمل في تعليقات بعض المعلقين، حيث قال أكثر من معلق للكندي (X) إن العمل الإنساني الصحيح ليس تحرير بضع فتيات وإنما الدعوة لتحرك شعبي يمارس أقصى درجات الضغط على حكومات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد «داعش» في العراق وسوريا واليمن، للقضاء على هذا التنظيم وإنهاء خطره المستفحل. فمن العار، يقول أحدهم، أن تعجز القوات العسكرية لأقوى الدول في العالم عن هزيمة عصابة إجرامية. فبالقضاء على هذه العصابة نحرر ليس مائة فتاة أو ألف فتاة، بل آلاف الناس الذين يرزحون تحت أغلال «داعش» وأخواته. وإلا، كما كتب أحدهم، فمن حق المرء أن يظن بأن دول التحالف لديها أجندة أخرى في إطالة عمر الحرب وتمكين «داعش» من مواصلة التخريب والقتل الجماعي. -------------- *كاتب سوداني مقيم في كندا