سابقاً تم تدمير تماثيل (بوذا) العملاقة على يد مجانين «طالبان»، وحالياً تم تدمير آثار الموصل بيد مخابيل «داعش»، تماثيل بوذا الشاهقة برع في تدميرها تسلقاً وبالرافعات والديناميت أن يشوهوها بشكل غير كامل، بسبب ضخامتها وارتفاعها، ولكن مجرمي «داعش» و«فاحش» استطاعوا تدمير الثور المجنح وغيرها بسهولة أكثر، بسبب الحجم الصغير، كان يكفي أن يهووا بالفؤوس على الحجارة فيحولوها جذاذا، وهم يتذكرون ما فعل إبراهيم مع الأصنام، بفارق أن أصنام إبراهيم نجا منهم كبيرهم، وهنا مع «داعش» لم ينج صغير ولا كبير، وبفارق أهم أن قوم إبراهيم كانوا يظنون فيهم النفع والضر فقدسوهم وعبدوهم، أما الثور المجنح فلا يعبده أحد في الوقت الحاضر. بعد التدمير هل ثمة أمل في إنقاذ الموقف واسترجاع أشلاء وحطام الآثار؟ الظاهر أنها عملية مستحيلة، لحجارة طارت مزعاً وشظاياً بيد هؤلاء القتلة للبشر والحجر، ولكن ليس الأمر كذلك، فقد تداعى ومن أجل إنقاذ التراث وفي صفحة بلوج (Blog) في الأركيولوجيا أن أطلقوا مشروعاً على النت باسم (مشروع الموصل)، ولكن كيف؟ كان النداء إلى كل سواح الأرض الذين صوروا الآثار المدمرة سواء صوراً أم أفلاماً بالاتصال بهذه الهيئة، ولكن ما النفع؟ وقد تحولت الآثار إلى صور حبست الزمن لا أكثر؟ الجواب لا.. فهناك حالياً طرق فنية عجيبة لصب القوالب من جديد وبالأبعاد الثلاثية. كيف؟ إذا استطعنا أن نضع الأبعاد الثلاثية لأي كائن أو تمثال، فيمكن نقله إلى عالم النت فيصوغ الشكل، ويأمر آلات خاصة بصب القالب، كما كان، بما فيه الارتيفاكت (Artifact) أي العيوب والشقوق والندبات وما شابه، فيمكن صب القالب الجبسي، أو بمادة أقسى من الأصلية فيخرج وكأنه ولد من يد الفنان، وهي تقنية مذهلة محيرة في الوقت الحاضر. أذكر شخصيا هذه التقنية حين كنت أطالع مجلة (PM) الألمانية وكيف استطاعوا صب قوالب إنسان «نياندرتال»، بل ولحم وجهه وتقاطيعه وشعره إلى درجة أن الرائي يكاد يصدق أنه هو.. مايذكر بقصة ملكة سبأ حين عرض سليمان عليها عرشها وهي لاتكاد تصدق، فقالت كأنه هو فكان أبدع جواب أمام عدم التيقن وصحة الموجود. أروع ما في القصة ثلاثة أمور: الأول هو ولادة المدمر على يد هؤلاء المجرمين بيد محبي الآثار الإنسانية، فيمكن استعادة المفقود، بل ووضع نسخ لا نهائية عنه، طالما أمسكنا سر الصناعة، في القرآن كلام يقترب من هذا عن خلق الكون والإنسان حين اعترض من اعترض على الإعادة من جديد؟ بعد تحول الجثة إلى تراب؟ قال وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه، فهذه قاعدة وجودية أن من خلق يعيد الخلق وأسهل وتكرار النسخ إلى ما لا نهاية. الأمر الثاني أن النسخ الفعلية إذا ضبطت في مكان ما بيد لصوص التراث، كما حصل وكتبت عن هذا عن لصوص آثار سوريين ضبطتهم الشرطة السويسرية، أنه يمكن تمييز الأصلي من المزور، وهناك مزورون حاذقون جداً، وقصة لوحة رامبرندت معروفة، كما جاءت في فيلم عن فنان محترف التزوير، وهكذا يمكن تحديد النسخة المزورة من الحقيقية، وبذلك يمكن اصطياد التحف في السوق العالمية من خلال هذه التقنية. الأمر الثالث أن الآثار الإنسانية أصبحت في أرشيف خاص لا يضيع، كما يقول القرآن وعنده أم الكتاب يمحو ما يشاء ويثبت، فطالما أصبحت النسحة الأصلية في المستودع، فلا خوف من أعداء التراث الإنساني.