منح الله عز وجل الإنسان هبة العقل ووظيفته التفكير. والعقل في الدين الإسلامي مركز التكليف الشرعي؛ بسلامته يكون المسلم مكلفاً وبفقدانه الأهلية يسقط عنه التكليف. ومن العقل ينبع الفكر والتفكير.. ويرى ابن خلدون أنه لا بد أن نمنح الفرصة للفكر لكي ينشط. وتذكر المعاجم العربية العديد من تعاريف التفكير ومنها هو قيام الإنسان بإعمال قدراته وإمكاناته العقلية استناداً للمحصول الثقافي المتوفر لديه بهدف إيجاد بدائل أو حل المشكلات. وذكرت آراء أخرى أن وظيفة الفكر النشط هي إدراك الصور الذهنية لما يحيط بنا من معطيات وقواعد وأحداث ناتجة عن الماضي، ودراستها من أجل رؤية أفضل للمستقبل. ويقودنا هذا لما يسمى علم المستقبليات، وهو العلم الذي يختص بالمحتمل والممكن والمفضل من المستقبل، بجانب الأشياء ذات الاحتماليات القليلة، لكن ذات التأثيرات الكبيرة التي يمكن أن تصاحب حدوثها. وهنا يأتي في يقيني دور مراكز الدراسات والبحوث، التي تُعنى بدراسة الأوضاع الراهنة ومسبباتها وتأثيرها على الأمن بمفهومه الشامل ومن ثم بناء سيناريوهات المستقبل، وذلك بهدف مساعدة متخذي القرار على وضع أفضل الاستراتيجيات والخطط. وعند إجراء مسح سريع لمراكز الدراسات والبحوث في العالم العربي، نلاحظ أن معظمها يهتم بإعداد الدراسات والبحوث ونشرها بعد إجراء التقييم العلمي الرصين بواسطة محكمين معتمدين. وهناك مجموعة أخرى من مراكز الدراسات العربية تٌعنى بنشر الثقافة في المجتمع من خلال تنظيم المؤتمرات والمحاضرات وتنفيذ دورات تدريبية مختلفة. وقلما نجد مراكز دراسات وبحوث عربية تقوم بدراسة الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية وتقديم الدراسات الاستراتيجية لمتخذي القرار إضافة لخدمة المجتمع من خلال الإصدارات العلمية المٌحكَمة والملتقيات العلمية المختلفة. ولكن الحقيقة التي لا تقبل النقاش ويتفق عليها الغالبية العظمى من الباحثين والمفكرين، إضافة لمتخذي القرار في العالم العربي أن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية قد قطع شوطاً كبيراً جداً وبعيداً في خدمة كلا من متخذي القرار ومجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل خاص والمجتمعات العربية بشكل خاص. وتتعدد إنجازات وإسهامات مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بقيادة المدير العام الدكتور جمال سند السويدي لتضم على سبيل المثال لا الحصر مكتبة متخصصة في المجالات الاستراتيجية تضم ما يناهز مليون ومائة ألف كتاب ومخطوطة ودراسة ودوريات إضافة لإصدار ما يقارب من خمسمائة كتاب أصيل ومترجم ودراسة علمية. أضف إلى ذلك تنظيم أربعمائة وأربعين محاضرة وعشرات المؤتمرات والحلقات الدراسية والندوات بجانب مئات الدراسات الاستراتيجية لمتخذي القرار. كما أضاف المركز بصمة تاريخية في سجل مراكز الدراسات والبحوث العربية عندما بادر بإصدار تقرير دوري يضم تقييم لمراكز الدراسات والبحوث العربية والعالمية. واللافت للنظر ما شدد عليه الدكتور جمال سند السويدي في كلمته في صدر التقرير الأخير لعام 2013 - 2014 من أن معظم دول العالم باتت تولي الفكر والعلم والمعرفة أهمية كبرى من أجل طرح حلول ناجعة للتحديات المختلفة التي تواجهها. وبناء عليه، تنامى الاهتمام بدور مراكز الدراسات والبحوث في دعم اتخاذ القرار وصنع الاستراتيجيات واقتراح السياسات. واعتقادي أن مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية من خلال هذا الطرح يحث الدول العربية - حكومات ومراكز دراسات وبحوث ومفكرين وباحثين - على إحياء دور الفكر مرة أخرى والاهتمام به حتى لا يستمر الضعف الذي آل إليه الفكر عند العرب، الأمر الذي يؤكده الأديب المغربي «سعيد يقطين»، الذي يفسر هذا الضعف بعدة أسباب من أبرزها ندرة الجهود الرامية للاستفادة من المجهودات السابقة بهدف وضع تصورات بديلة. ولعلي في هذا الوضع أرى الدول العربية في حاجة ماسة لـ «إعصار من الفكر المشترك» بين الباحثين والمفكرين العرب أو ربما نحن على الأقل في حاجة للعاصفة.