بينما كانت قوات الرئيس الروسي بوتين تستولي على شبه جزيرة القرم بأوكرانيا في أوائل 2014، كانت حكومة أوكرانيا المؤقتة تناقش ما إذا كان عليها قتال «الرجال الخضر» (في إشارة إلى الجنود الروس)، الذين قامت روسيا بنشرهم، بيد أن رسالة إدارة أوباما كانت واضحة: تجنبوا المواجهة العسكرية مع روسيا. كانت رسالة البيت الأبيض لكييف بمثابة نصيحة، وليست أمراً، كما ذكر لنا مؤخراً مسؤولون أميركيون وأوكرانيون، وكانت تستند على عدد من العوامل المختلفة. كان هناك عدم وضوح حول ما تفعله روسيا على أرض الواقع. ولم يكن الجيش الأوكراني في الهيئة التي تسمح له بمواجهة قوات العمليات الخاصة الروسية التي كانت تحتشد في القرم. وعلاوة على ذلك، فإن الحكومة الأوكرانية في كييف كانت فقط إدارة مؤقتة حتى تتمكن الدولة من التصويت في الانتخابات بعد عدة أشهر. وذكر لنا مسؤولون أوكرانيون أن الحكومات الأوروبية الأخرى أرسلت إلى كييف رسالة مماثلة. لكن مصدر القلق الرئيسي كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكما ذكر لنا مسؤولون أميركيون مؤخراً، فإن البيت الأبيض كان يخشى أنه إذا حارب الجيش الأوكراني في القرم، فإن هذا سيعطي بوتين مبرراً لشن تدخل عسكري أكبر، باستخدام منطق مشابه لذلك الذي وظفته موسكو عام 2008 عندما قام بوتين بغزو أجزاء كبيرة من جورجيا رداً على هجوم استباقي من قبل حكومة تبليسي. وحتى هذا اليوم، فإن قوات روسية تحتل مقاطعتين في جورجيا. وفي ذلك الوقت، أشار العديد من الخبراء والمسؤولين إلى قرار عدم القتال في القرم باعتباره البداية لسياسة أوكرانية تستند على افتراض أن تجنب القتال مع موسكو من شأنه تخفيف عدوان بوتين. بيد أن هذه حسابات خاطئة. فبعد عامين تقريباً، راحت القرم في طي النسيان، ويسيطر الانفصاليون الذين تدعمهم روسيا على مقاطعتين أوكرانيتين كبيرتين، وأصبح وقف إطلاق النار الهش بين الجانبين معرضاً لخطر الانهيار. يقول «دامون ويلسون»، نائب رئيس إدارة البرمجة في المجلس الأطلسي «جزء من النمط الذي نراه في السلوك الروسي هو الاختبار والسبر عندما لا يكون في مواجهة انسحاب أو معارضة. إن طموحات روسيا تنمو عندما لا يوجد من يتحداها من البداية. وهذا ما حدث في القرم، لقد كان بوتين لديه سياسة الإنكار، وكانت هناك فرصة أمام روسيا للابتعاد». وعندما استولت قوات العمليات الخاصة الروسية والوحدات العسكرية وضباط المخابرات على القرم، أدهش ذلك الولايات المتحدة. وأخبر محللو المخابرات الكونجرس بذلك قبل 24 ساعة من الغزو، قائلين إن زيادة القوات الروسية على حدود أوكرانيا كان مجرد تحايل. وكانت حكومة أوكرانيا - التي توحدت بعد فرار الرئيس فيكتور يانوكوفيتش من كييف إلى روسيا عقب الاضطرابات المدنية – في حالة أزمة. كانت الدولة تتأهب لإجراء انتخابات وكان جيشها متهالكاً إلى حد كبير وغير مستعد للحرب. وكان هناك جدل داخل حكومة كييف أيضاً. فقد جادل البعض بأن الدولة ينبغي أن تدفع بقواتها إلى القرم للرد. وفي إطار هذه العملية، سألت الحكومة الأوكرانية واشنطن ما هو الدعم العسكري الذي يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة. وكان الأوكرانيون يعلمون إنه من دون مساعدات أميركية سريعة وكبيرة فإن العملية العسكرية للدفاع عن القرم ليس أمامها فرصة كبيرة للنجاح. وقد ذكر أوباما لمشرعين في اجتماعات خاصة إن قراره بعدم تسليح الأوكرانيين يعود في جزء منه إلى الرغبة في تجنب المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا. وتعهدت الولايات المتحدة بتقديم قدر كبير من المساعدات غير الفتاكة للجيش الأوكراني، بيد أن هذه المساعدات تأخرت كثيراً. وفي نفس الوقت، استمر التدخل الروسي العسكري المباشر في شرق أوكرانيا بمستويات عالية. جوش روجين/ محرر في شؤون الأمن القومي إيلي ليك/ محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»