يشهد العراق الشقيق موجة من التظاهرات والاحتجاجات الشعبية الحاشدة، تطالب باقتلاع الفساد وإبعاد الطائفية ومعاقبة الفاسدين والاهتمام بقضايا الشعب الأساسية من خدمات عامة وغيرها. فهل خروج الأغلبية العراقية الصامتة للشارع هي بداية للاهتمام بالشأن العام أم أنها مظاهرات مؤقتة، الغرض منها تحقيق مطالب الناس بالماء والكهرباء والخدمات العامة؟ ما يميز مظاهرات العراق الحالية هو أنها تحدث في المناطق الشيعية، معقل تيارات وأحزاب الإسلام السياسي الشيعي ورموزه الطائفية في العراق، ومنهم «حزب الدعوة الإسلامي» الحاكم. وهل الاحتجاجات الحالية ستؤدي إلى قيام إصلاحات حقيقية ستقود في النهاية إلى ترميم الوضع في العراق وتوحيد صفوفه؟ من الصعب التكهن بذلك من عدمه أو رصد أي من الاتجاهات التي ستسير إليها حركة الاحتجاج المطالبة بالتغيير في العراق، وما إذا كانت ستطور مطالبها باتجاه دولة مدنية دستورية يحكمها القانون والدستور، أم ستظل دولة دينية تحمل شعارات طائفية وغير ديمقراطية؟ الأحزاب الدينية التي تتحكم بالعراق اليوم ترى أن هذه التظاهرات ما هي إلا مؤامرة ضد الدولة الدينية في العراق، فخطيب مسجد النجف المقرب من جماعة الحكيم، صدر الدين القبابجي، اعتبر أي شعارات ترفع ضد الدين والمرجعية مرفوضة، وأوضح أن الشعب العراقي متدين ويرفض الأطروحات الداعية إلى دولة مدنية علمانية! ومن جانبه، أكد الشيخ علي الطلقاني، خطيب مسجد الكوفة، والقريب من التيار الصدري، أن المظاهرات ليست ضد الدين، ولكنهم تظاهروا ضد من سرقهم باسم الدين، وعلينا أن نشكر المتظاهرين. هذا الخلاف بين رجال الدين من الشعب يؤكد أن هناك تخوفاً حقيقياً لدى الأحزاب الدينية ورجال الدين والسياسيين الفاسدين، من المظاهرات الجماهيرية الشعبية التي بدأت تعم مدن العراق الجنوبية التي يقطنها الشيعة العرب الذين دعموا الأحزاب الطائفية والنظام الطائفي الذي يقود العراق عن طريق «حزب الدعوة الإسلامي» منذ عام 2003، حيث يتفق المراقبون السياسيون على أنه واحد من أفسد الأنظمة التي مرت على تاريخ العراق الحديث. وهل يستطيع العراق التخلي عن النظام الحزبي الديني؟ من المفارقات الغريبة أن نجد بعض أنصار الأحزاب الدينية الحاكمة يتظاهرون ضد الأحزاب الدينية، مما يدل على أن السياسيين الفاسدين يحاولون استغلال المظاهرات لصالحهم بعد أن غيروا مواقفهم بعد خروج الشعب للشارع. لقد أعربت المرجعية الدينية في النجف، وعلى رأسها آية الله علي السيستاني، عن سخطها واستيائها من الأداء الحكومي، حيث حمّلت المالكي مسؤولية ما حل بالعراق من تدمير خلال السنوات الماضية.. كما حمّل السيستاني القضاء العراقي مسؤولية انتشار الفساد في كل مفاصل الدولة وأجهزتها. علينا نحن عرب الخليج الإشادة بالموقف الرافض الذي اتخذه السيستاني باتخاذه موقفاً وطنياً واضح برفضه لفكرة تقسيم العراق، وتأييده لوحدة التراب العراقي، ومطالبته برفع المعاناة عن الشعب العراقي، ومحاسبة كل القيادات السياسية المسؤولة عن دمار العراق. ---------------- *أستاذ العلوم السياسية- جامعة الكويت