جاءت الافتتاحية التي سطرها «برينت سكوكروفت» في 23 أغسطس بعنوان «لحظة مصيرية»، والتي تصدق على الاتفاق النووي الإيراني، بمثابة صدمة. وكان الكاتب قد سبق أن عرض بالفعل تأييده لعدد من كتاب الأعمدة خلال هذا الشهر. وكان الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو محاولة «سكوكروفت» ربط دبلوماسية إدارة أوباما بمحاولات الرئيس الأسبق رونالد ريجان للحد من التسلح مع الاتحاد السوفييتي. وفي حين أن كلاهما قد تمخض عن اتفاقات مع أعداء منذ فترة طويلة، فإن استعراضا سريعا لسجل ريجان يسلط الضوء على مدى التشابه البسيط بين نهجه ونهج أوباما. وبالتركيز على أوجه التشابه الظاهرية، بدلاً من الاختلافات الصارخة، فإن المخاطر تحجب أكثر بكثير مما تظهر. فكروا فقط في التعارض: لقد تولى ريجان السلطة ليحطم الاتفاق النووي «سولت 2» الذي تفاوض بشأنه الرئيس «جيمي كارتر» مع السوفييت. وكما هو الحال مع المرشحين الرئاسيين «الجمهوريين» اليوم، فقد حث ريجان الكونجرس علناً على رفض ما اعتبره اتفاقاً سيئاً من شأنه أن يقوض وضعنا الأمني. وبمجرد أن تولى المنصب، شرع ريجان في جمع كم هائل من الأسلحة. وانتظر لأكثر من عام قبل الدخول في محادثات بشأن القوات النووية الاستراتيجية. وفي تلك المحادثات، وكذلك في المفاوضات بشأن القوات النووية متوسطة المدى في أوروبا، طرح مطالب متطرفة رفضتها موسكو. وهاجم معظم خبراء الحد من التسلح مواقف ريجان باعتبارها خطراً وإنها حتى مقدمة لحرب. بيد أن هناك المزيد. وحتى أثناء المفاوضات الجارية، شن ريجان حرباً بلا هوادة ضد النظام السوفييتي. وفي يونيو 1982، حذر بأن «الحرية والديمقراطية... ستترك الماركسية – اللينينية في مزبلة التاريخ». وبعد أقل من عام، زاد من أفعاله، ليصف الاتحاد السوفييتي بأنه «محور الشر في العالم الحديث». وكان النقاد مذعورين. ولكن ريجان مضى قدماً. وبعد أسابيع، كشف النقاب عن مبادرة استراتيجية الدفاع، وهي رؤية تهدف إلى جعل الأسلحة النووية الهجومية - وكذلك عقيدة الهجوم المؤكد المتبادل – بالية. وكان لريجان عقيدة يطلق عليها «عقيدة ريجان»، وتعد محور سياسته الخارجية. وتتمثل هذه في تقديم دعم فتاك للقوات التي تكافح العدوان السوفييتي. ففي أفغانستان ونيكاراجوا وأنجولا وما وراءها، كانت المساعدات الأميركية لحركات التمرد المناهضة للشيوعية تقتل بشكل منتظم الروس وعملاءهم. وعندما ظهر ميخائيل جورباتشوف واقترح استئناف المحادثات النووية، كان ريجان بالتأكيد منفتحاً لذلك. ورغم هذا، ففي قمة ريكيافيك 1986، ومع التوصل لاتفاق تاريخي لخفض القوات النووية الهجومية الموجودة في متناول اليد، لم يتردد ريجان في تقويض المفاوضات عندما سعى جورباتشوف لانتزاع تنازلات في اللحظات الأخيرة لقتل مبادرة استراتيجية الدفاع. ولم يستغرق الأمر طويلاً من صلابة ريجان للرد. فبعد أكثر قليلاً من عام، ألغت معاهدة القوات النووية متوسطة المدى فئة من الصواريخ النووية في أوروبا، وتم إحراز تقدم كبير في إطار لخفض القوات النووية الاستراتيجية، والتي جعلها الرئيس جورج بوش الأب و«سكروكروفت» تنتهي نهاية ناجحة بالتوصل إلى اتفاق ستارت عام 1991، وظلت مبادرة استراتيجية الدفاع دون مساس. وحتى مع إحراز العلاقات الأميركية - السوفييتية تقدماً بشأن الحد من التسلح، لم ينحرف ريجان إطلاقاً عن هدفه الاستراتيجي لإضعاف «إمبراطورية الشر». وبقدر ما كان معجبا بجورباتشوف، فإن هذا لم يمنعه من الذهاب إلى برلين عام 1987 للمطالبة بأن يقوم الزعيم السوفييتي «بهدم هذا الجدار». أما بالنسبة لاتفاق أوباما النووي مع إيران، فإن اتفاقاً يهدف إلى تفكيك قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم سيسمح لها بتنميته دون حدود في خلال 15 عاماً. ومطالب الإيرانيين في اللحظة الأخيرة بإزالة القيود المفروضة على الأسلحة التقليدية والصواريخ الباليستية تمت تلبيتها مع تنازلات، وليس رفض. وتحت غطاء المحادثات، تصاعد العدوان الإيراني في الشرق الأوسط دون مقاومة أميركية تذكر. ويشعر حلفاء أميركا بأنهم محبطون وأنهم تم التخلي عنهم. هناك الكثير الذي يمكن قوله عن نوعية دبلوماسية أوباما. ربما يمكنكم القول إنها تصب في مصلحة الولايات المتحدة، ولكن لا يمكن القول إنها تشبه دبلوماسية ريجان. ــ ـ ـ ـ ـ جون حنا مستشار الأمن القومي السابق لنائب الرئيس الأميركي ديك تشيني ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»