يعاني المرشح الرئاسي الجمهوري «جيب بوش» من مشكلة تتعلق بالإرث. وهذه المشكلة اسمها «جورج». وعلى وجه الدقة، هناك رئيسان اسمهما «جورج بوش». والمشكلة هي أن «جيب» يركز انتباهه على القريب الخطأ، وهو أخوه، جورج دبليو بوش. فلماذا لا يركز انتباهه على والده جورج بوش الأب؟ أليس هو الشخص ذو الميراث الأكثر جاذبية وإيجابية؟ و«جيب» حاكم فلوريدا السابق، الذي كان يعد ذات يوم هو الأوفر حظاً للفوز بترشيح الحزب الجمهوري، تعثر الآن في استطلاعات الرأي بعد أداء باهت خلال حملة الترشيح. وقد أعلن أكثر من مرة أنه مستقل في أفعاله وآرائه السياسية، وليس ظلاً لأحد. وهذا هو المطلوب. بيد أن ارتباط اسمه بعائلته يتصدر سجال الحملات، بالطبع، وعندما يحدث ذلك، يدور الموضوع عادة حول شقيقه، الرئيس ال43 للولايات المتحدة. وهذا يحول النقاش، كما يمكن أن نتوقع، إلى حرب العراق عام 2003 التي لم يحالف بوش الابن فيها الحظ. ولا تزال الذكريات السيئة حاضرة، وفي المجمل يرى كثيرون أنه فاشل. وعلى النقيض، فقد ترك والد «جيب»، وهو الرئيس ال41ـ بوش الأب، منصبه قبل ربع قرن تقريباً، وتبدو صورته جيدة حتى اليوم. وقد ذهب بوش الأب أيضاً إلى حرب سابقة في العراق، ولكنه نجح. ونجح التحالف الذي شكله. وتم إنجاز المهمة، ثم خرج. لقد استطاع ببراعة إنهاء الحرب الباردة، كما ترك عدداً ولو كان قليلًا من الإنجازات المحلية البارزة. ولكن ليس هذا ما يتحدث عنه «جيب بوش» عادة. فهو لا يريد التخلي عن أخيه ولا يستطيع كذلك أن يتحرر من سياساته التي لا تحظى بشعبية. وفي الأسبوع الماضي، ألقى باللوم على الرئيس أوباما باعتباره السبب في المشاكل التي يعاني منها العراق اليوم. وفي خطاب له في 11 أغسطس بمكتبة رونالد ريجان في كاليفورنيا، أشاد بسجل بوش الابن، وعلى وجه الخصوص قراره «الرائع والبطولي» برفع عدد القوات في عام 2007، ما ساعد على وقف العنف الطائفي لبعض الوقت. وفي رواية «جيب بوش»، فإن قرار زيادة القوات ساعد على تحقيق الاستقرار في العراق حتى عام 2009، عندما قام أوباما بسحب القوات الأميركية ومهد الطريق لانتشار جماعة «داعش». ولا يهم أصلاً أن بوش الابن هو الذي تفاوض بشأن انسحاب القوات الأميركية. وفي وقت لاحق، أعلن «جيب بوش» أن «إخراج صدام حسين كان صفقة جيدة جداً». إن صدام كان طاغية حكم تلك الدولة بإرهاب ماكر. وقد تكلف إخراجه حياة 4500 أميركي، ونحو تريليون دولار. وفي العام الماضي، قدر باحثون بجامعة واشنطن، يعملون بالتعاون مع مسؤولين في بغداد، أن 460 ألف عراقي قد قتلوا أثناء الحرب. والنتيجة أن إيران لديها مزيد من النفوذ في المنطقة. وعلى النقيض، عندما قام صدام حسين بغزو الكويت في عام 1990، شكل جورج بوش الأب أكبر تحالف عالمي منذ الحرب العالمية الثانية، وأرسل قوات قوامها يزيد على نصف مليون جندي، وأخرج العراقيين في حرب سريعة تم تمويلها إلى حد كبير بشكل جماعي. ولم يقم بوش الأب باحتلال العراق، متوقعاً التكاليف. وحتى على الجبهة الداخلية، يبدو بوش الأب هو الأكثر نجاحاً، بينما سن بوش الابن ستة استقطاعات ضريبية ضخمة أسهمت في تفاقم نسبة العجز. أما أهم إنجازاته على الساحة المحلية فيتمثل في تغطية نفقات الدواء بالنسبة لكبار السن. وبالنسبة لبوش الأب، فأهم إنجازاته على الصعيد المحلي هو قانون الأميركيين المعاقين، الذي يعد الآن، بعد مرور 25 عاماً، واحداً من أهم إنجازات الحقوق المدنية منذ ستينيات القرن العشرين. وقد وافق بوش الأب على ست زيادات ضريبية في إطار اتفاق موازنة 1990. ولا يزال المحافظون الاقتصاديون يهاجمونه بسبب ذلك على رغم قول بعض خبراء الاقتصاد إن الزيادة الضريبية كانت خطوة نحو الرخاء والموازنات المتوازنة خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي. بيد أن الاستراتيجية السياسية لا يمكنها وحدها تفسير إحجام «جيب بوش» عن الاقتداء بوالده. ومن الناحية التكتيكية، كان على «جيب» أن يتحرك بذكاء بعيداً عن شقيقه. وقد يساعده احتضان والده على تعزيز الدعم الذي يحتاجه من جناح المؤسسة بالحزب الجمهوري، وهو بحاجة إليه للفوز بترشيح الحزب. وإذاً، فما هو التفسير؟ ربما يكون الأمر يتعلق بسيكولوجية الأسرة. وربما بسبب الولاء للأخوة. ـ ـ ــ ــ ـ ألبرت هانت ------------ محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»