يجب ألا نتصور أن الثورة الإعلامية والحكومية والأمنية في إسرائيل منذ أسبوعين ضد منظمة «لاهافاه» اليهودية المتطرفة، هي ثورة بسبب ميولها الإرهابية ضد العرب. ذلك أن جميع المنظمات الصهيونية، منذ العشرينيات من القرن الماضي وإلى الآن، كانت ولا تزال تشارك في الإرهاب ضد العرب بهدف اجتثاثهم وإقامة الدولة الصهيونية. وقد شهدنا حلقات إرهاب من تيار الصهيونية التنقيحية التي أسسها فلاديمير جابوتنسكي وورثها وطورها من بعده مناحيم بيجين، إلى أن أصبحت اليوم حزب «الليكود». الحاكم وكان هذا التيار علمانياً لا دينياً، ومن أشهر مذابحه مجزرة دير ياسين في عام 1948 ومن أقدمها اغتيال المصلين بالأقصى في عيد مولد النبي موسى عام 1921. كما شهدنا حلقات الإرهاب المنظم من تيار علماني آخر هو تيار الصهيونية والعلمانية الاشتراكية العمالية، بقيادة بن جوريون الذي كان أول رئيس وزراء للدولة الصهيونية. وأشهر جرائمه الإرهابية المخطط الرسمي الذي رسمه لعصابة «الهجاناه» من أجل طرد السكان العرب من بلادهم فلسطين عام 1948، وهو المخطط الذي كان معروفاً للجميع، وقد كشفه بالوثائق المؤرخ الإسرائيلي «بن مورس». علينا أن ندرك أن السبب الحقيقي للهيجان الإسرائيلي في الوقت الحالي ضد منظمة «لاهافاه» المتطرفة الإرهابية، بعد أن قال زعيمها «بنتسي جوبشتاين» علناً إنه يؤيد إحراق الكنائس المسيحية، هو البعد الآخر الذي تكشف عنه أفكار المنظمة ضد مؤسسات دولة إسرائيل القائمة. فقد أدت حملات التفتيش الأمني لمقار المنظمة في مستوطنات الضفة إلى العثور على وثائق تضم مبادئ المنظمة. وجاء بين هذه المبادئ مبدأ الثورة على دولة إسرائيل ومؤسساتها الحالية باعتبارها مؤسسات علمانية كافرة بالنص الديني التوراتي اليهوي. المنظمة تطالب الشباب اليهودي بالعمل على هدم هذه المؤسسات وإقامة الدولة الدينية اليهودية على أساس الشريعة اليهودية الواردة في التوراة. إن وثائق المنظمة تتجاوز مطالبة الشباب بنشر هذه الدعوة إلى ما تعتبره الدين اليهودي بالطرق السلمية، بل تطالبهم باستخدام العنف المسلح ضد العرب وضد اليهود الذين يعارضون مبادئها على حد سواء. إذن للمنظمة هدفان، واحد ضد العرب، وجودهم ومقدساتهم التي تعتبرها المنظمة أوثاناً تأمر الشريعة اليهودية بتدميرها، والثاني ضد الدولة العلمانية القائمة على الأحزاب والانتخابات والبرلمان والتي لا تطبق حكم الشريعة اليهودية بالمقاييس التي تراها المنظمة. لقد كنا نرى أن الأحزاب الدينية، وخاصة أحزاب الحريديم المعارضين للصهيونية العلمانية، تسلك مسالك العمل السياسي وتدير صراعها مع القوى المخالفة بالطرق السلمية. صحيح أن هذا الطريق السلمي لم يكن دائماً قائماً، فقد سجل التاريخ حالات مبكرة، قبل قيام إسرائيل، لصراع عنيف بين أنصار التيار الديني الرافض للحركة الصهيونية وبين الصهاينة العلمانيين. إن عودة هذا الوجه العنيف يعني صفعة قد توصل إلى انقلاب ديني في المستقبل، خصوصاً مع تصاعد التطرف الديني في العالم.