لماذا نجحت أوروبا في طي صفحة الحرب العالمية الثانية، ولماذا فشل شرق آسيا في طي هذه الصفحة حتى الآن؟ كانت ألمانيا وفرنسا محوري الحرب في أوروبا، ولكن الدولتين تشكلان اليوم العمود الفقري للاتحاد الأوروبي. أما عسكرياً فهما عضوان في حلف شمال الأطلسي «الناتو». وكانت الصين واليابان محوري الحرب في شرق آسيا، ولكن لا يجمع‏? ?بين ?الدولتين ?لا ?جامع ?اقتصادياً ?ولا ?جامع ?عسكرياً! ونجحت الدول الأوروبية في إعادة صياغة كتب التاريخ. لم يعد التاريخ الأوروبي الذي يدرس في المدارس والجامعات، تاريخ الحروب والمعارك وأبطالها. أصبح تاريخ الإنجازات العلمية والثقافية.. وتاريخ مرحلة أوروبا الموحدة. أما في الصين فكتب التاريخ تتحدث تاريخ الحرب مع اليابان عندما احتلت أجزاء واسعة من الصين من عام 1937 إلى عام 1945. وطوال الفترة الممتدة من عام 1937 حتى عام 1941 –أي حتى الهجوم الياباني على بيرل هاربر ودخول الولايات المتحدة في الحرب- كانت الصين تقاتل اليابان منفردة. وقد دفعت ثمن تلك المواجهة من الضحايا أكثر مما دفعته أي دولة أخرى شاركت في الحرب العالمية الثانية باستثناء الاتحاد السوفييتي (السابق). إذ بلغ عدد الضحايا الصينيين 15 مليوناً. وفي الثقافة الوطنية الصينية لم تندمل هذه الجراح بعد. لقد نجحت الدول الأوروبية في تحويل مسارح الحرب العالمية الثانية -وحتى الحرب العالمية الأولى- إلى متاحف ومزارات. وتنظم سنوياً احتفالات مشتركة لإحياء ذكرى ضحايا الحرب بمشاركة حكومات الدول وقادة جيوشها. ولكن الصورة في شرق آسيا مختلفة تماماً، فشبه الجزيرة الكورية لا تزال منقسمة بين الشمال الشيوعي النووي والجنوب الرأسمالي، ولا يزال هذا الانقسام يهدد السلام في آسيا.. وفي العالم. وحتى اليابان ذاتها لا تزال مضطرة لقبول الوجود العسكري الأميركي في أوكيناوا، وكأن الحرب لم تنتهِ، أو كأنها لن تنتهي! وهذه البؤر المعرضة للانفجار في أي وقت لم تعد مثيلاتها موجودة في أوروبا. ففي الوقت الذي يشتد فيه الصراع الصيني- الياباني حول بعض الجزر الصخرية في بحر الصين، يشكل التفاهم السلمي الألماني- الفرنسي القاعدة التي تقوم عليها العملة الأوروبية الموحدة «اليورو». وقد احتلت ألمانيا فرنسا مرتين. واحتلت اليابان الصين مرة واحدة. غير أن فرنسا وألمانيا أصبحتا اليوم -بقرار منهما- جزءاً من منظومة سياسية- اقتصادية- عسكرية واحدة. وفي المقابل تستعد الصين لمواجهة خطر أي صدام مع اليابان وكأنه قادم لا محالة. ولم تشمل المصالحة بين أميركا والصين في السبعينيات تسوية العلاقات بين الصين واليابان، لأنه لم تكن للولايات المتحدة مصلحة استراتيجية في إقرار تسوية بين طوكيو وبكين تمكن الاثنتين من الاستغناء عن واشنطن. صحيح أن الولايات المتحدة عملت على المصالحة بين باريس وبرلين، إلا أنها كانت تراهن –ولا تزال- على دور الدب الروسي في حملهما معاً على البقاء تحت المظلة الدفاعية الأميركية. غير أن مخالب الدب الروسي لا تخيف الصين ولا تقلق اليابان. ولذلك كان لابد من المراهنة على عامل آخر.. هو عدم تفاهمهما. أما السؤال الذي يفرض نفسه فهو: ما هو موقف –أو مواقف– دول شرق آسيا (فيتنام والفلبين وكمبوديا وإندونيسيا وماليزيا) من هذا الوضع الجديد؟ للإجابة على هذا السؤال لابد من الإشارة إلى أن ذاكرة شعوب المنطقة لا تزال تحتفظ بذكريات صعبة عن الاحتلالات اليابانية، وقد كلفت هذه الاحتلالات اليابان مليونين ونصف المليون قتيل (وتحديداً 2,466,532 قتيل). وتعتبر حكومة اليابان الحالية برئاسة «شينزو آبي» جميع هؤلاء «شهداء» الشعب الياباني. أما شعوب شرق آسيا وفي مقدمتهم الشعب الصيني، فتعتبرهم «مجرمي حرب». فكيف ستطوى صفحة الحرب الثانية؟!