من المعروف والثابت أهمية العلاقة بين نوعية غذاء الأم وصحة جنينها ومولودها، ليس فقط خلال مرحلة الحمل وإنما أيضاً في مرحلة ما قبل الحمل. وهذه الحقيقة تتجسد في أن نقص بعض العناصر الغذائية المهمة خلال فترة الحمل، أو قبلها، قد تكون ذات تبعات صحية وخيمة على الجنين والمولود الحديث. وأفضل مثال على ذلك، ربما كان نقص حمض الفوليك أو فيتامين (B9)، في الفترة السابقة لحدوث الحمل، وخلال الأسابيع الأربعة الأولى من الحمل، وهو النقص الذي يمكن أن يؤدي إلى عيوب وتشوهات خلقية في العمود الفقري والحبل الشوكي. والعنصر الآخر المهم الحصول على كميات كافية منه خلال فترة الحمل هو فيتامين (D)، الذي يؤدي نقصه إلى تبعات سلبية على معدلات نمو وصلابة الأسنان والعظام. ولذا تنصح النساء الحوامل، والمرضعات، وأطفالهن أيضاً خلال السنوات الأولى من العمر، بتناول جرعات مكملة من هذا الفيتامين. ولكن إذا ما كانت الحقائق المتوفرة عن علاقة غذاء الأم بصحة جنينها تختص غالباً بمغذيات وفيتامينات معينة، فماذا عن نوعية الغذاء بوجه عام؟ وهل مجرد سد النقص في تلك المغذيات من خلال حبوب وكبسولات يغني عن غذاء صحي متوازن قبل وخلال فترة الحمل؟ وسعياً للإجابة على هذا السؤال أجرت مجموعة من الباحثين في الولايات المتحدة دراسة موسعة شملت 19 ألف امرأة، نصفهن لديهن أطفال مصابون بعيوب خلقية في القلب، والنصف الآخر منهن كان أطفالهن يتمتعون بقلوب خالية من العيوب الخلقية. وعندما سُئلت النساء في المجموعتين عن نوعية غذائهن قبل الحمل وخلاله، وما إذا كان يحتوي على مكونات صحية، مثل الأسماك، والخضراوات والفواكه الطازجة، والمكسرات، وغيرها، اكتشف الباحثون في الدراسة، التي نشرت في العدد الأخير من دورية علمية متخصصة في أمراض الأطفال (Archive of diseases in Childhood)، أن النساء اللاتي كان غذاؤهن صحياً قبل الحمل وخلاله، كانت معدلات احتمالات إصابة أطفالهن بعيوب خلقية في القلب، أقل من احتمالاتها بين أطفال النساء اللاتي كان غذاؤهن غير صحي، حتى بعد الأخذ في الاعتبار عوامل أخرى، مثل التدخين، أو نقص حمض «الفوليك»، قبل وأثناء الحمل. وهو ما يظهر أنه بدلًا من التركيز على عنصر غذائي محدد، أو فيتامين معين، يجب على المرأة التي تخطط للحمل في المستقبل القريب، أن تعتني بمجمل نوعية ومحتويات غذائها اليومي، إذا ما كانت عازمة على خفض احتمالات إصابة جنينها ومولودها بالعيوب الخلقية. وعلى ما يبدو أن تأثير العلاقة بين غذاء الأم الحامل وبين الصحة المستقبلية لأطفالها، لا يقتصر فقط على الأبناء، بل قد يمتد أحياناً حتى إلى الأحفاد. فمثلًا، قام العلماء الهولنديون قبل بضعة أعوام بتحليل التاريخ الصحي لعدد كبير ممن ولدوا خلال الفترة المعروفة بالمجاعة الهولندية، التي وقعت في الشتاء الأخير من الحرب العالمية الثانية. واكتشف العلماء أن الأطفال الذين تعرضت أمهاتهم لنقص شديد في الغذاء خلال المجاعة أصيبوا بمشاكل صحية خطيرة، بدءاً من نقصان الوزن عند الولادة، ونهاية بالإصابة بمرض السكري، والسمنة، وأمراض شرايين القلب، وسرطان الثدي وغيره من الأمراض السرطانية، وبمعدلات أعلى ممن ولدوا لأمهات كن يقطن مناطق لم تتعرض للمجاعة. ولكن كانت المفاجأة الحقيقية في أن أحفاد من نجوا من تلك المجاعة ظلوا هم أيضاً يعانون من آثار صحية سلبية، وخصوصاً نقص الوزن وصغر الحجم عند الولادة، على رغم أن آباءهم عاشوا حياة رغدة، توافر فيها غذاء صحي متوازن. وإن كان من الجدير بالذكر هنا، انتشار بعض المفاهيم والاعتقادات الخاطئة عن تغذية الأم أثناء حملها، مثل الاعتقاد الشائع بأن المرأة الحامل يجب أن تتناول من الطعام ما يكفي لشخصين، هي وجنينها. وإن كانت الحقيقة هي أنه على رغم كون المرأة تحتاج إلى سعرات حرارية إضافية أثناء الحمل، للحفاظ على صحتها وصحة الجنين، إلا أن هذا لا يعني أن تضاعف كمية ما تتناوله من غذاء. فالقاعدة العامة هي أن المرأة الحامل تحتاج إلى 300 سعرة حرارية فقط أثناء حملها، زيادة على ما كانت تتناوله يومياً قبل الحمل. وتعتبر هذه النصيحة ذات أهمية خاصة، لتجنب حدوث زيادة مفرطة في وزن المرأة أثناء الحمل، مما يعرض الأم والجنين لمخاطر صحية أثناء الحمل، ومن ثم يصبح من الصعب عليها بعد الولادة أن تتخلص من هذا الوزن الزائد، مما قد يعرضها لاحقاً لمضاعفات السمنة ومشاكلها الصحية.