ليس السوري من يملك جواز سفر سوريا، وليس السوري من يسكن في سوريا، بل السوري هو من يدافع عن سوريا. هذا ما أعلنه بشار الأسد في خطاب له في يوليو 2015. ولعل تفكيك نظم الخطاب، يظهر لنا جانبين؛ الأول سليم تماماً، وهو أن الوطن والمواطنة مفهوم عقدي، وسورة الأنفال شرح موسع لهذا المفهوم، كتب عنه الباحث الأردني «ماجد عرسان الكيلاني» في بحث طويل حول المواطنة، ونقل في هذا عن عالم النفس الأميركي «ابراهام ماسلو» في الجزئية المتعلقة بهرم الحاجيات الإنسانية، وهي خمس طبقات، تبدأ بالحاجات الغريزية الخمس: الطعام والشراب والجنس والمسكن والملبس. وفي الطبقة الثانية: توفير الأمن، فمن يعيش في الغابة غير آمن على نفسه من الضواري ليس في مجتمع إنساني. ومن هنا ركّز القرآن الكريم على هاتين الطبقتين الأساسيتين «أطعمَهم من جوع وآمنَهم من خوف». لتأتي الطبقة الثالثة حيث روح الانتماء، ثم الرابعة حيث الالتزام، وأخيراً في الطبقة الخامسة، وهي قمة الهرم، والذي عادة لا يحققه إلا 5? من المواطنين، نجد تحقيق الذات. ذكر الكيلاني ذلك الهرم، وذهب إلى سورة الأنفال ليقتطف آية: «والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ثم آووا ونصروا». «الأسد» كان مصيباً في تحديد مفهوم المواطنة، وكونها إيمانا بالنظام والدفاع عنه، كما يفعل شبيحته من الساحل ومقاتلو «حزب الله» من لبنان حين يزعم نصر الله أن الطريق إلى القدس يمر من الزبداني! وهو يرى المواطنة باعتبارها هجرة إليه، كما يفعل الهزارة من شيعة أفغانستان، وكذلك شيعة العراق وباكستان. إنها جهاد وقتل للأطفال السوريين، كما يفعل رجال «عصائب الحق» ومقاتلو نصر الله، كما أنها نصرة بمقدار مليارات الدولارات التي تصبها إيران في عروق النظام لتبقيه حياً، وهي هجرة بالجملة وتغيير ديموغرافي في حمص ودمشق بامتلاك الإيرانيين أماكن يقولون عنها إنها أضرحة لزينب وسكينة ورقية وأم كلثوم وفاطمة والحسن وزين العابدين وقرة المتقين. وهو يوزع جنسيات لهؤلاء الذين يدافعون عن سوريا الأسد! الأسد متماهٍ تماماً مع هذا المفهوم، لكنه لا يستوي على أرض، حين نعرف أن من يقاتل هؤلاء الغرباء هم من يشعرون بالانتماء فعلا لهذا الوطن وحب أرضه. المشكلة مع الأسد وفريقه أنهم يريدون أن يعلوا علواً كبيراً، ويعتقدون أن الزمن لهم. نحن شهود عصر الحروب المذهبية، والتي تذكِّر بحروب الثلاثين عاماً في أوروبا. لكننا شهود صعود القوة الإيرانية التي نصح الكتاب المصريون أن لانناجزها بل أن نتفاوض معها، وبذا يكون علينا أن نتعلم اللغة الفارسية بعد الإنجليزية والصينية.. فهي لغات المستقبل. سوف نكون شهوداً على التهام عدة دول عربية بأسرع من ذوبان موزة في حلق قرد. سوف نرى التهام مناطق في أسابيع قليلة ونحن مذهولين. وهناك من يستعد للانتقام واللجوء إلى الحضن الإيراني، كما يحج سياسيو «حزب الدعوة» في العراق، من المالكي وآخرين غيره! إننا في الزمن العربي السيئ، فلنستعد لما هو أسوأ. جاء في الحديث: (ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج كهذا، ثم حلق بين إصبعيه السبابة والإبهام، أي جعلهما حلقة، قالت له زينب: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث).