لم تحظ الذكرى السنوية الـ25 لاجتياح الكويت بالاهتمام الإعلامي وفي الرأي العربي العام كما تستحق، وأهميتها ليست فقط بسبب هذا الحدث الدموي بحد ذاته، لكن أساساً بسبب نتائجه. فاعتقاد رئيس دولة عربية بأحقيته في ضم دولة أخرى هو بداية الانهيار العربي، والذي نشهد أسوأ صوره في الحاضر. وبالتالي يمكن الوصول لاستخلاصات مهمة لفهم مثل هذه الممارسة المأساوية بهدف منع تكرارها. تدل التقارير الأميركية وبعض المذكرات التي أُفرج عنها أخيراً أن العديد من العواصم العربية، وكذلك واشنطن ولندن وباريس، أصابتها الدهشة جراء قيام صدّام حسين بغزو الكويت. فلم يخف على هذه العواصم حشد قوات الجيش العراقي وصور التحركات العسكرية التي تم رصدها، لكن تفسير هذه المعلومات كان هو الخطأ، وفي الواقع كان ذلك هو التحدي الأكبر للعمل الاستخباراتي، عسكرياً كان أم سياسياً. مثلاً في أكتوبر 1973، حصلت كل من إسرائيل والولايات المتحدة على صور دقيقة لتحركات الجيش المصري والسوري، لكنهما لم تعتقدا أن ذلك كان مقدمة لهجوم حرب أكتوبر، وبالتالي حدثت المفاجأة. والشيء ذاته تقريباً حدث في أغسطس سنة 1990، تم رصد تحركات جيش صدام بدقة، لكنه تم تفسير هذا على أنه «تهويش» ومحاولة لابتزاز القيادة الكويتية وليس مقدمة للغزو كما حدث. جزء من معضلة تفسير هذه البيانات هو الاعتقاد في «رشادة وحكمة» السلطة، بمعنى أنه لا يمكن لها أن تمارس «اللامعقول» أو الخطأ الجسيم والقفز إلى قرار خطير دون أية حسابات أولية أو تقريبية المكسب والخسارة، بما فيها ليس فقط مقاومة الدولة المعتدى عليها، لكن سلوك الدول الأخرى، سواء أكانت في المنطقة أو خارجها. بقية القصة معروفة، وأولها أن ذلك القرار تخطى محظور هدر الدم العربي بيد عربي آخر في العلاقات العربية العربية. بل إن صدام ذهب أكثر من ذلك، إلى إلغاء دولة عربية أخرى، كانت قد وقفت بكل كرم وسخاء أثناء حربه مع إيران. وإلى ذلك، فقد وضع صدّام المنطقة العربية ككل في مأزق لم تجد له مخرجاً إلا بالاعتماد على الخارج عن طريق ائتلاف دولي تقوده الولايات المتحدة. وما زلت أتذكر بكثير من الشعور بالحزن، وحتى المهانة، عندما خرج جندي عراقي من مخبئه على الحدود بين الكويت والعراق لينحني على يد عسكري أميركي متوسلاً لإنقاذه. والأهم أن ذلك الغزو أعطى أعداء العرب ذريعة لتدمير العراق. فبعد أن كان العراق قطباً بترولياً ودولة محورية في النظام الإقليمي، أصبح ضحية للحصار القاسي، حتى الغزو الأميركي لأراضيه في سنة 2003، وما أعقب ذلك من حرب أهلية وانقسامات طائفية، وأخيراً إعلان أحد القادة العسكريين الأميركيين أن الحل هو تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، والبقية تأتي. لذلك فالغزو العراقي للكويت، منذ ربع قرن، يستحق مزيداً من الدراسة الموضوعية والبحث العلمي، بسبب أهميته، لما يمر به العالم العربي حالياً، فهو أهم محطات الانهيار الذي تعاني منه المنطقة في الوقت الحاضر. وحتى لو كانت هناك مؤامرة خارجية لإضعاف هذه المنطقة، فإن رؤساء مثل صدام أو بشار أو القذافي، هم من سهَّلوا المهمة للمتآمرين للقيام بمخططاتهم. لذلك يعتقد البعض أنه في حالة التشرذم والحروب الأهلية التي تعانيها المنطقة العربية، يكون الحل بالعودة إلى السلطوية، على غرار ما كانت عليه أنظمة صدام والقذافي والأسد.. بينما الحقيقة أن مثل هذه القيادات هي التي أسهمت في الانهيار الحالي. إنهم مثل عامل تحويل خطوط القطارات الذي يتصرف بجهل ويؤدي إلى وضع القطارات في حالة تصادم حيث لا مفر من الكارثة.