تعادل نسبة الإنفاق العسكري الأميركي نصف جميع النفقات العسكرية في العالم، فالولايات المتحدة تنفق 28? أكثر من أوروبا كلها مجتمعة على سبيل المثال، ولكن في نفس الوقت يمثل الناتج الأميركي المحلي الإجمالي نحو 25? من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وفق التقديرات الاقتصادية العالمية، هذا ويتطلع إلى أن يكون على هذا النحو لبعض الوقت. كما تمثل الأصول والموجودات الأميركية ما قيمته 50% من إجمالي الموجودات العالمية، ويتساءل البعض كيف تقترض دولة بهذا الثراء؟ والجواب هو أنها الممول الأول للحروب ورسم الخرائط السياسية في العالم، وهناك فواتير داخلية مثل الضمانات الاجتماعية والضمان الصحي والتعليم وحجم فائدة الديون وبطء الاقتصاد المحلي والعالمي الذي يؤثر بدوره على الموازنة العامة لأميركا كدولة عظمى. ومن ناحية أخرى هناك مؤشرات قوية تشير إلى أن العالم أجمع قد يتعرض لأزمة مالية عنيفة أشد وطأة من سابقتها، وهذه المرة باسم الطاقة، وهناك أمور تخفيها أميركا كجزء من سياستها الداخلية والخارجية وخاصة أن أداءها اقتصادياً هذه السنة يعد الأسوأ في الخمس سنوات الأخيرة، والتحليلات والتوقعات لا تصدق دائماً، فيجب الحذر فيما هو قادم من هزة اقتصادية جديدة محتملة في السنة المقبلة، ولذلك أميركا تعمل جاهدة على أن تكون سيدة الاقتصاد الافتراضي في العالم لتعويض الهزات الاقتصادية العالمية في المستقبل وتنويع مصادر الدخل القومي بطرق مبتكرة، وهو ما تعكسه هيمنة الشركات الأميركية مثل «جوجل»، و«ياهو»، و«سيسكو»، و«مايكروسوفت»، و«صن»، على سبيل الذكر لا الحصر على صناعة الإنترنت والبرمجيات المتعلقة بها. وفي المقابل لدى الولايات المتحدة عجز تجاري في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومنتجات تكنولوجيا علوم الحياة، ومنتجات الإلكترونيات الضوئية، ومنتجات التكنولوجيا النووية، ويظل اقتصاد المعرفة هو التحدي الأكبر الذي يتوقع الأميركان من خلاله البقاء أسياد العالم والقوة العظمى الوحيدة إلى عام 2030 في أسوأ السيناريوهات وأقلها تفاؤلاً إذا ما أخذنا في عين الاعتبار نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بما يزيد على 2%، وتحدي تنامي الدَّين العام، وخاصة أن المال الصيني يعد الجزء الأكبر من ذلك الدين، ولم يعد شعار أن الولايات المتحدة هي رمز عالمي للحرية والديمقراطية كافياً، وهو ما يبرر الهلع الصيني لشراء أو المساهمة في الشركات الناجحة عالمياً بغض النظر عن القارة والمنتج. ووصلت حمى الشراء ليصبحوا أكبر المستثمرين الأجانب إنفاقاً في شراء سندات الخزينة الأميركية وبنسبة تفوق النصف بقليل، والصين تحتفظ بسندات الدين الأميركي لخدمة مصالحها التجارية بالدرجة الأولى، ولتدوير فوائضها الضخمة مع الولايات المتحدة الأميركية، ولذلك فأميركا قلقة حيال الاستثمار الأجنبي الذي يعني بكل بساطة الاستثمار الصيني بصورة مباشرة أو غير مباشرة. فهل سيأتي الوقت الذي ستغير فيه الحكومة الصينية التي تخطط للحفاظ على نسبة نمو تعادل 7% سنوياً، مع رفع معدل الجودة، وجهتها عن أميركا واستثمار احتياطياتها الهائلة من العملات الأجنبية في الأسواق الناشئة واستخدامها كسلاح للسيطرة والتحكم في العالم، ومع كل تغيير طفيف في سياستها الاستثمارية تلعب الصين بورقة القدرة على كبح الاقتصاد الأميركي، وهو ما يشكل صداعاً دائماً للولايات المتحدة الأميركية، ولو لعب حلفاء أميركا التقليديون في العالم دور العميل المزدوج واصطفوا في تحالفات جانبية مع الصين وروسيا لوضعوا أميركا في موقف حرج، ولذلك لا تقبل أميركا بتلك التحركات وتسعى دائماً لإثارة المشاكل والصراعات لمجرد أن يفكروا في الالتفاف حولها وعلى مصالحها عالمياً إلى درجة لا تتوانى فيها عن خلق أزمات دولية مختلفة لتوجيه تهديد شديد اللهجة أو إبطاء معدلات نمو منافسيها وتطويقهم بطرق تمكنها من فرض شروطها من جديد، وهو نوع من الحروب لم تستوعبه الأغلبية في العالم بصورة واضحة بعد، وهي عبقرية أميركية بكل امتياز في فن بقاء تفوق الإمبريالية المرنة حيث يوهمون حلفاءهم بأنهم من خلال القيام ببعض الخطوات الجريئة في عالم الاقتصاد والطاقة سيتخلصون من أعدائهم ويكسبون الولايات المتحدة كصديق دائم وهي سذاجة سياسية لم يعد لها صدى ووجود في عقول وسياسات حلفائها في العالم، ولذلك لا تثق أميركا بهم، ونشرت على ضوء تلك القراءات في كل منطقة من العالم أزمات متدرجة في القوة والمساحة، وحولت بعض الدول لمليشيات تحمي مصالحها بكل السبل والوسائل الشرعية وغير الشرعية لوقف التنين الصيني وشركائه عن إزاحتها هي عن عرش القوة العظمى الأولى في العالم.