في دراسة حديثة لواحدة من أكبر شبكات التواصل المهني في العالم والمتخصصة في رصد هجرة الكفاءات المهنية على مستوى العالم، جاءت دولة الإمارات العربية المتحدة في صدارة قائمة الدول الأكثر جذباً للكفاءات المهنية على مستوى العالم للعام الثاني على التوالي. وأشارت الدراسة إلى أن استقطاب الكفاءات المهنية تركز في قطاعات الخدمات المتخصصة، تقنية المعلومات، الهندسة والهندسة المعمارية، الخدمات المالية والتأمين، تجارة التجزئة والمنتجات الاستهلاكية. وإن دل هذا الأمر على شيء فإنما يدل على مدى ما وصلت إليه دولة الإمارات العربية المتحدة من نجاح على مستوى العالم في توفير ليس فقط بيئة عمل ومناخ اقتصادي مثالي للكفاءات المهنية الأجنبية بل في تأمين استقرار اجتماعي لمختلف ثقافات العالم لا ينبذ الآخر بل يتقبله ويتعايش معه في ظل احترام للنظم والقوانين. ونحن هنا لسنا في مجال التشكيك في تلك الدراسة أو توجيه تساؤلات لشبكة التواصل المهني حول الأسس العلمية التي اتبعتها في تنفيذ الدراسة ومصادر الإحصائيات الرسمية التي استندت عليها، بل أرى التركيز على ثلاث نقاط رئيسة. النقطة الأولى تتعلق بما تضمنته الدراسة من أن أبرز المواقع الوظيفية التي شغلتها الكفاءات المهنية التي استقطبتها الدولة تركزت في موظفي المبيعات، ومتخصصي التسويق، وإداريي المشاريع، ومتخصصي تمويل المؤسسات، ومحاسبين، واستشاريين، ومهندسي الميكانيك. وتقودنا هذه الوظائف لإعلان وزارة العمل في نهاية شهر إبريل الماضي أن 80% من العمالة المسجلة في الوزارة عمالة «غير ماهرة»، و20% من حملة المؤهلات الجامعية والدبلوم والثانوية العامة، وهي عمالة ماهرة، وبالتالي في حال كانت دراسة شبكة التواصل المهني المذكورة تركزت على ذوي «الكفاءة المهنية» أو «العمالة الماهرة» وخاصة في القطاع الخاص فنحن نتحدث عن 20% من العمالة الوافدة وهنا نقع أمام تحدٍّ خطير يتمثل في شقين. الأول هو ما الإجراءات المتبعة لتقليل نسبة ال80% من العمالة غير الماهرة الوافدة وتحويلها لمصلحة مواطني الدولة في ظل استراتيجية التوطين؟ والشق الثاني يتعلق بماهية السياسات الرامية لزيادة نسبة المواطنين من ذوي الكفاءة المهنية أو العمالة الماهرة –والذين أجزم بارتفاع عددهم سنوياً- ليحلوا محل الـ20% من الكفاءات الوافدة؟ إذ إن الوظائف التي تضمنتها الدراسة المذكورة يستطيع العديد من مواطني الدولة إشغالها بل ويعملون فيها بالفعل في العديد من جهات القطاع الخاص. والنقطة الرئيسية الثانية تتمحور حول بيئة العمل. فالملاحظ أن دولة الإمارات قد نجحت في توفير بيئة مهنية مثالية للكفاءات الوافدة وبالتالي يثير هذا الأمر تساؤلاً حول أسباب الإخفاق في توفير بيئة عمل مماثلة للمواطنين حتى نشهد ارتفاع نسبة إشغالهم الوظائف ذات الكفاءة المهنية أو العمالة الماهرة في القطاع الخاص. فالوضع يتطلب بيئة منافسة في العديد من الجوانب أبرزها الرواتب وساعات العمل وإشراف إداري عادل وموضوعي من قبل رؤساء العمل الوافدين على الموظفين المواطنين ينتج عنه تقييم مهني سليم وغير متحيز لأدائهم الوظيفي. والهدف هنا هو خلق بيئة عمل جاذبة للمواطنين في القطاع الخاص وليس كما هو الحال في معظم الجهات التي توصف بأنها بيئة طاردة للمواطنين. والنقطة الرئيسية الثالثة تتمثل في أهمية الجانب البحثي. إذ إنه من الثابت علمياً أن القرار الاستراتيجي لابد أن يستند على دراسات علمية حديثة تساعد متخذ القرار على رسم السياسات المستقبلية بفاعلية. وتقودنا هذه النقطة للواقع الذي نعيشه وهو غياب الدراسات الرسمية الحديثة حول استقطاب الكفاءات المهنية الوطنية في سوق العمل وتحديداً في القطاع الخاص. وبالتالي أخشى استمرار الاعتماد على دراسات من خارج الدولة -قد تكون عليها ملاحظات علمية- وغياب الجهد البحثي الموحد على مستوى الدولة عن واقع الكفاءات‏? ?المهنية? ?المواطنة? ?في? ?سوق? ?العمل.