عند توقيع الاتفاق النووي في فيينا مع إيران، راهن لبنانيون على متغيرات قد تؤدي إلى الإفراج عن انتخابات الرئاسة في لبنان، وانتظروا زيارة وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، فخابت آمالهم وسقط رهانهم. كان الرجل واضحاً في قوله: «إن الانتخابات شأن لبناني. ولا نريد لأحد أن يتدخل في لبنان»! وهو الكلام الذي قاله في طهران هو وغيره من المسؤولين الإيرانيين لعدد من الموفدين الدوليين الذين زاروا إيران للتباحث في إمكانية تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان. وهو الكلام ذاته الذي كرّره أكثر من مرة قادة ومسؤولو «حزب الله»، الحليف الأبرز لإيران في لبنان وصاحب الدور الكبير والمؤثر. بل بلغ الوضوح في الموقف حد قول بعضهم: «نقول للذين ينتظرون تطورات في الخارج وإشارات من الخارج قبل الاتفاق النووي وما بعده، ستنتظرون كثيراً». من بيروت انتقل ظريف إلى دمشق، وهنا بيت القصيد. الأولوية هي لسوريا. ويمكن القول إن الرجل جاء إلى بيروت لينتقل منها إلى سوريا. هناك بحثت الأمور الأساسية، وبطبيعة الحال مع «حسن نصرالله» بشكل خاص في لبنان. بعد النووي الإيراني، ثمة اليمن الذي يشهد تطورات متسارعة لمصلحة التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وحركة سياسية دبلوماسية دولية، للبحث في القضية السورية. ليس الآن وقت لبنان. واللبنانيون ساهموا ويساهمون في عدم إعطاء الأولوية لقضيتهم لأنهم لا يعطونها الأولوية، ولأن لكل فريق منهم قضيته! المهم، بالنسبة لسوريا.. بعد فيينا، طرحت إيران مبادرة: وقف إطلاق نار، حكومة وحدة وطنية، إصلاحات، وانتخابات. قصة الإصلاحات لم يكن لها مكان في العقل السوري الرسمي، وقال وزير الخارجية وليد المعلم من طهران: «ليس ثمة معارضة معتدلة أو معارضة متطرفة». وكانوا يقولون، ومعهم إيران، إنها ليست مسألة إصلاحات، فكيف أصبحت الإصلاحات ضرورية؟ لماذا الطرح الإيراني الذي تزامن مع الحديث عن مصير الأسد؟ وهذا المصير كان موضع نقاش وخلاف بين موسكو والرياض. الأولى لا تريد بديلاً عن الأسد ولا ترى حلاً من دونه، والثانية تراه جزءاً أساساً من المشكلة ولا دور له في الحل. أما إيران فتتمسك بالنظام الذي يتمسك هو أيضاً بالسلطة وبالسيطرة على سوريا. اليوم هي تمسك برأس ما تبقى من النظام، الذي لم يعد يسيطر سوى على 25% فقط من سوريا، وجيشه أصبح مستنزفاً، وقد وصلت مشاكله إلى عقر الدار، اللاذقية. وبالتالي فإن إيران التي تدرك الواقع، تريد إنقاذ ما تبقى، لذلك فهي تطرح، وللمرة الأولى، مسألة الأقليات في سوريا. لكن القرار الروسي السياسي هو الأهم نظراً للفيتو الروسي في مجلس الأمن. وروسيا تريد الإمساك بما أمكن من الأوراق لتفاوض أميركا عليها، في سوريا وفي غيرها، وعينها على أوكرانيا. لذلك طرحت فكرة شراكة لمواجهة الإرهاب بين أميركا وروسيا وتركيا وإيران والسعودية والنظام السوري. أميركا لا تريد روسيا في هذه العملية، بل تسعى إلى شراكة مع طهران. والسعودية رفضت مبدأ الشراكة مع الأسد. والموقف السعودي حاسم في هذا الاتجاه. ماذا يعني كل ذلك؟ لا حل في سوريا الآن، بل جولات حروب مفتوحة.. ولا حل في العراق وثمة أزمة متفاقمة في لبنان. صدمات هنا وهناك. حركة سياسية دبلوماسية مكثفة في كل العواصم، قد تؤدي إلى تفاهم موضعي وحول موضوع معين وفي مكان معين، يكون نقطة انطلاق لتفاهمات أخرى. لكن في انتظار الوصول إلى ذلك سنكون أمام أثمان كبيرة! هل نبادر إلى فعل شيء يخفف الخسائر على الأقل؟