كأن أجهزة الأمن الإسرائيلية لم تكن تعلم بوجود «بنتسي جوبشتاين»، زعيم منظمة «لاهافاة» (ومعناها باللغة العربية الشعلة أو اللهب). لقد تم استدعاؤه للتحقيق لدى الشرطة الإسرائيلية، بعد أن أعلن الأسبوع الماضي -خلال مناظرة دينية يهودية مع طلاب المدارس الدينية- أنه يؤيد إحراق الكنائس المسيحية، وأن الشريعة اليهودية والقانون يوصيان بضرورة تدمير الأوثان في «أرض إسرائيل»! وسنلاحظ أنها لأول مرة تتعامل سلطات التحقيق الإسرائيلية بجدية مع هذا الإرهابي، وذلك لأن أقواله الإجرامية تم بثها في وسائل الإعلام وأصبحت معلومة للعالم، ومن هنا قامت الشرطة بتفتيش مقرات أعضاء المنظمة في المستوطنات بالضفة الغربية وعثرت على وثيقة تحدد مبادئها وأهدافها. وسنلاحظ أيضاً أن «جوبشتاين» سبق احتجازه عدة مرات وأطلق سراحه دون تحقيقات جادة في أعقاب عمليات إحراق مدارس عربية بالقدس ومساجد وكنائس منذ عام 2014، وبعد أن تقدمت الكنائس الكاثوليكية بعدة شكاوى ضده. الاستنتاج الواضح من الملاحظتين أن «جوبشتاين» كان يعمل بحرية ضد دور العبادة العربية الإسلامية والمسيحية وضد العرب في الضفة دون أن يخشى الشرطة التي تغض الطرف عن جرائمه. إن منظمة «لاهافاة» ليست المنظمة الإرهابية اليهودية الوحيدة، فهناك عشرات المنظمات التي تعمل في الضفة وفي القدس وتعلن أهدافها في معاداة العرب وخططها لتدمير المسجد الأقصى. وهي لا تتعرض لأي اعتراض من السلطات الإسرائيلية، بل تجد في صفوف الأحزاب المشاركة في الحكومة من يدافع عنها ويؤيد أهدافها خاصة في حزب «الليكود» الذي يرأسه نتنياهو وحزب «البيت اليهودي» الذي يتزعمه المتطرف «نفتالي بينيت». نحن إذن أمام شبكة عمل إرهابية يتوزع نشاطها بين منظمات غير قانونية تعمل بحرية تحت رعاية السلطة الرسمية وبين أحزاب رسمية تتنافس على الحكم ولها وزراء في الحكومة. وفي تقديري أنه لا يمكن تصديق ادعاء أن «جوبشتاين» وأمثاله الذين يعملون بعيداً عن رضا السلطات. فالأهداف المعلنة ترمي في جوهرها إلى الاستيلاء على الضفة الغربية باعتبارها جزءاً من أرض إسرائيل وتفريغها من أصحابها وتدمير رموزهم الدينية. تقول السلطات الإسرائيلية في محاولة للتنصل من جرائم جوبشتاين إن الوثيقة التي عثرت عليها تسير في اتجاهين، الأول ضد العرب ومقدساتهم باعتبارها أوثاناً، والثاني ضد الطبيعة العلمانية لدولة إسرائيل، أي العمل من أجل تحويلها إلى دولة تحكمها الشريعة اليهودية. لقد تأكد أن منظمة «لاهافاة» تستمد أفكارها من منظمة «كاخ» التي أسسها الحاخام الإرهابي «مائير كاهانا» عام 1971، والتي ظلت تمارس نشاطها ضد العرب حتى عام 1994 بعد أن فاحت دمويتها في أعقاب قيام أحد أعضائها باغتيال 30 من المسلمين الذين كانوا يصلُّون في الحرم الإبراهيمي في الخليل. إن نشاط «كاخ» لم يقتصر على الضفة الغربية، بل امتد إلى مصر أيضاً، حيث قامت في الثمانينيات بإرسال حوالي مائة رسالة إلى كتاب ومثقفين مصريين ينتقدون السياسات الإسرائيلية ضد الحقوق العربية. هذا عن توجه العمل ضد العرب، أما توجه تحويل إسرائيل لدولة دينية فهو موضوع آخر.